Friday, June 29, 2007

فضاءات


Align Centerمدن إبداعـــــــية

كتبت في هذه الزاوية، خلال صدورها لأول مرة، مقالا عن المدن الافتراضية في المستقبل، وفوجئت بأن المدن الافتراضية لم تعد مجرد خيال، وإنما أصبحت واقعا افتراضيا، يمكن لأي شخص أن يدخل إليه ويختار لنفسه اسما افتراضيا ويدخل ليمارس حياة افتراضية كاملة، وهي فكرة جديرة بالتأمل كما سنرى في الموضوع المنشور في هذه الصفحة.
لكني هنا لا أود التحدث عن العالم الافتراضي إلا من زاوية المدن الإبداعية، بمعنى أنني أستطيع أن أتصور أن مدينة مثل باريس هي مدينة إبداعية بامتياز، ليس لأنها تمتلك المقومات التي تجعل منها مكانا إبداعيا مثل المتاحف، ودورا لعرض والمسارح، والإصدارات الثقافية، وأماكن الترفيه، والمقاهي. لا ليس لهذا فقط، وإنما لأنها مدينة تحفز الإنتاج الإبداعي، لأن الثقافة جزء من هوية البلد، ولأن إنتاج الثقافة جزء مهم جدا من الإنتاج الاقتصادي في المجتمع. ولأن السياحة أيضا ترتكز على الثقافة في بلد مثل فرنسا، وبالتالي فهي تمتلك كل شروط المدينة الإبداعية، من الحرية التي يبدأ منها جذور الإبداع وصولا للتشريعات مرورا بالمناخ العام ودور النشر والجوائز والمعارض الدورية ..إلخ.
لكن هل يمكن اعتبار مدينة مثل القاهرة مدينة إبداعية؟ فكرت كثيرا، واكتشفت أننا إزاء حالة استثنائية، فالقاهرة للأسف، لم تعد مدينة إبداعية، لكنها كانت كذلك، ولو أنني قررت أن أبتكر مدينة القاهرة افتراضيا بالشكل الذي أتمنى أن تكون عليه لكي تكون مدينة إبداعية، لما احتجت للخيال بقدر احتياجي لإعادة تمثل قاهرة الأربعينات والخمسينات، بمسارحها، ودور النشر فيها، وزخم مبدعيها كتابة، وغناء وتأليفا وتلحينا وتمثيلا وفكرا، واستوديوهات السينما، والفتيات الجميلات اللائى مثلتهن "فاتن حمامة" بفستانها الذي يصل للركبة بلا أكمام، فلا تثير حسية من أي نوع، على عكس ما يشيع الآن من حالة حسية كامنة في الوجوه والعيون والأجساد، التي تختفي كثير منها تحت حجب عدة.
الشفافية والليبرالية اللتان ميزتا القاهرة في عز زخمها الإبداعي استبدلتا بالازدواجية وشيوع الكبت والمنع والمصادرة وثقافة التحريم. ترييف القاهرة حولها من الإبداع إلى النقيض. ومع ذلك فهناك بشائر، نتمنى أن تكون نسمات تعيد القاهرة لسابق عهدها، لا مجرد هبة خماسينية، لا نرجو بعدها أن نعيش إلا في نموذجها الافتراضي، نموذج الأحلام.

الهروب إلى الحياة البديلة



الهروب إلى "الحياة الافتراضية‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍
نعرف أننا نعيش الحياة الدنيا، وأن الموت تمهيد للحياة في الآخرة، لكن ماذا عن الحياة البديلة، أو الحياة الافتراضية، هذا المصطلح انتشر كثيرا على المستوى الذهني، لكنه تحول إلى حقيقة – افتراضية بطبيعة الحال- منذ استطاع أحد المصممين الشباب إنشاء هذا العالم الافتراضي على شبكة الانترنت لأول مرة قبل نحو ثلاثة أعوام، وفيما يلي تقرير نشره الموقع الإلكتروني للبي بي سي من خلال تجربة أحد المحررين في البحث عن هذا الواقع الافتراضي:
بداية .."الحياة الثانية" أو "السكند لايف" هي عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد على الانترنت أطلقه فليب ليندن عام 2003 من مختبره في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، ويبلغ عدد سكانه 1.3 مليون نسمة وتنتعش به السياحة حيث يزوره سنويا حوالي 7 مليون سائح. والمشترك يبدأ حياته في "الحياة الثانية" بالتسجيل في خدمتها ليصبح أفاتار avatar وهي كلمة تعني بالهندية التجسد، وبعد التسجيل يصبح شخصية افتراضية يمكنه التفاعل والتعايش مع أمثاله بالصوت كما يمكنه ممارسة مختلف أنواع الأنشطة.
بعد أن أتممت التسجيل أصبحت في "الحياة الثانية" المواطن ويلي بومونت Welly Beaumont وقد حرصت في اختيار الاسم أن تكون حروفه الأولى مماثلة للحروف الأولى من إسمي الحقيقي، كما اخترت شكلا لرجل يبدو شارد اللب مندهشا ومن ثم فانه يشبهني إلى حد كبير.
لم تكن بدايتي سهلة في الحياة الثانية فقد كان علي تعلم المشي والحركة.. تماما كالطفل الصغير وبعد الكثير من الصعوبة والتعثر أمكنني ذلك. ثم تعلمت الطيران وحلقت فوق أسوار "الحياة الثانية" شاقا طريقي داخل هذا العالم الجديد.
بدأت جولتي في المكان بالملابس التي تفضل بها الموقع علي، وهي في الواقع ملابس رثة أشبه بالملابس الداخلية وقد جعلت هيأتي أقرب إلى المتسول، ولكن ما العمل حيث لم أستطع لأسباب تقنية ارتداء الملابس المجانية المتاحة، كما لم أقدر لأسباب اقتصادية على شراء ملابس جديدة.
ظللت أسير وأحلق لساعات بغير هدى بين المروج الخضراء والصحاري والجبال وتحت الماء، انطلقت إلى أماكن رومانسية خلابة في العديد من البلدان الافتراضية كايطاليا واليابان.
بحثت عن زملاء المهنة حيث أن لوكالة رويترز للأنباء مكتبا كبيرا هناك، فقمت بزيارة مبنى الوكالة الفاخر (الافتراضي طبعا) واستعرضت بعض الأنباء.
بهرتني المراكز التجارية حيث أن لكبريات الشركات العالمية فروعا في هذا العالم الذي تجاوز الخط الرفيع بين الحقيقي والافتراضي فيما يتعلق بالاقتصاد. واصلت رحلتي حيث زرت مسجدا ومعبدا يهوديا وكنائس مسيحية..
وبعد قضاء نحو الساعة في رحاب الرب إرتأيت قضاء ساعة أخرى للقلب فطرت إلى منتجع دهب المصري الافتراضي وإلى بلاد المغرب الافتراضية.
أردت زيارة أحد النوادي الليلة لألتقي بالشباب في هذا الموقع ولكنني وجدت نفسي في ناد من نوع آخر، ومن باب الفضول الصحفي قررت إلقاء نظرة على ما يحدث هناك.
شاهدت ما يشيب له شعر الوليد..
ارتمت حسناء افتراضية أمامي على طاولة بلياردو كما ولدتها أمها (الافتراضية طبعا)، تذكرت زوجتي، وهي بالمناسبة حقيقية وليست افتراضية، كما تذكرت أمرا آخر وهو أنني لا أعرف في هذا العالم سوى المشي والطيران فطرت وأنا اسأل نفسي .. هل يوجد في العالم الافتراضي علاج لهذه الحالة؟ حينئذ خيل لي أنني رايت نظرة ساخرة في عيني ويلي .. يا له من خبيث.
وتتمتع الحياة الثانية باقتصاد قوي و270 دولارا من عملتها الافتراضية "ليندن دولار" تساوي دولارا أمريكيا واحدا. وكان الناتج القومي للحياة الثانية قد بلغ عام 2006 حوالي 64 مليون دولار أمريكي. وهناك العديد من كبريات الشركات العالمية تمارس نشاطها في الحياة الثانية مثل آي بي ام، وتويوتا، وكوكاكولا، وسوني، وأديداس وغيرها. وتزدهر السياحة هناك لذلك أنشأت شركة "ستار وود" للفنادق نسخة افتراضية من سلسلة فنادق لوفت التي تعتزم افتتاحها عام 2008.
وإلى جانب رويترز، كانت بي بي سي من المؤسسات الاعلامية التي أبدت اهتماما بالحياة الثانية فنظمت مهرجانا موسيقيا هناك حضره نحو 200 ألف شخص.
كما بثت بي بي سي إحدى حلقات "برنامج المال" في دار سينما ريفرس ران ريد في الحياة الثانية في نفس وقت عرضه على قناة بي بي سي الثانية. وهناك أيضا قناة سكاي نيوز وهي لها جزيرتها الافتراضية المطابقة تماما لمواصفات الاستوديو الخاص بها في الواقع.
واصلت تجولي في الحياة الثانية وتعرفت في أحد النوادي الليلية على ليندا أول من يعرض علي المساعدة في "الغربة".. علمتني الجلوس وتحريك يدي وعرضت علي النوم في بيتها بدلا من الأرصفة الافتراضية كما عرضت تعليمي كيفية تناول الطعام والشراب وكل شئ.
بعد أن تحمست لهذه الدعوة الكريمة فتر حماسي بعد أن علمت من ليندا طبيعة عملها في الحياة الثانية.. إنها تمتهن "البغاء الافتراضي" وبررت ذلك بأنها بحاجة للأموال كي تعيش..
أمرت ويلي بأن يعتذر لها عن قبول الدعوة، فهيئ لي أنني لمحت خيبة أمل في عينيه.. آه منك أيها اللعين ويلي. اعتذر ويلي مكرها وطار..
أرسلته مرة أخرى إلى المسجد والمعبد والكنائس لعله يتعظ ويتذكر آخرته الافتراضية بعد أن أغوته الحياة الافتراضية. وبعد زيارة بيوت الله، ارتأيت أن أرفه عن "ويلي" قليلا فطار إلى أحد الشواطئ حيث تعرف على الفتاة ميرا وأخذا يرقصان.. تساؤلات
بحثت عن الوجود العربي في هذا العالم فوجدت عددا من مواطنيه من أصول عربية أو بمعنى أدق ينتمون إلى العالم العربي في الحياة الواقعية. ومن بين هؤلاء السكان المواطن الافتراضي ميم بيك mem beck الذي يحمل في العالم الحقيقي إسم عزت القمحاوي الصحفي في جريدة الأخبار المصرية ويقول "إن فكرة وجود موقع على الانترنت يعرض حياة بديلة للحياة الواقعية كانت فكرة مدهشة بالنسبة لي، فدخلت الموقع".
ولكن لماذا يهجر الانسان حياته الواقعية إلى مثل هذه الحياة الافتراضية؟ يجيب عن هذا السؤال الدكتور أحمد البحيري استشاري الطب النفسي ومدير مستشفى العباسية للأمراض النفسية في مصر قائلا" إن التخيل كان دائما يحتل مكانا بارزا في حياة الانسان وهو أساس تطور الانسان فكل ما تم إنجازه كان يرتكن أصلا إلى الخيال ولكن الاغراق فيه أمر سلبي".
وتقول التقارير إن سكان الحياة الثانية يقضون ما بين 4 و10 ساعات يوميا في هذا العالم الافتراضي، وعن ذلك يقول الدكتور كمال عمران

رئيس قسم الاجتماع بجامعة دمشق "إنها ظاهرة هروب من الحياة الحقيقية إلى حياة متخيلة بسبب عدم التكيف مع الواقع

المدونة 30 يونية 2007.

فن العمارة السائلة



‍‍‍

ألعاب الفيديو..فن العمارة السائلة
تمثل الألعاب فنا مثيرا جديدا يتناسب مع العصر الرقمي مثلما كان الإعلام القديم ملائما لعصر الآلة. فهي منفتحة على خبرات جمالية جديدة وتحول شاشة الكمبيوتر إلى ساحة للتجريب والابتكار ذات جمهور عريض.

هذه المقولة لهنري جنكنز ربما تحثنا على عقد مقارنة بين جيل قديم كان يتجمع للعب "البنج بونج"، وكرة القدم، إلى جيل جديد، يختلي بنفسه إلى شاشة الكمبيوتر، ليحرك بذهنه عالما افتراضيا. لكن بقواعد جديدة. صحيح أن كلا الجيلين مارسا الأمر وفقا لمنطق اللعب، لكن الفرق شاسع من حيث أن لاعب "البنج بونج" القديم، أمام طاولة اللعب، يراكم مهارته، وخبرته في هذا المجال فقط، ويحشد ذكاءه للتجويد، ولرفع مستوى مهارته، وإيجاد الوسائل التي يمكن بها أن يراوغ خصمه بأقل مجهود، أما اللاعب في التقنية الحديثة الرقمية، فأمامه عالم غير محدود ، ليس فقط من احتمالات اللعب، وإنما من أنواع اللعب أيضا.

فكما يقول جنكنز- مدير برنامج دراسات الإعلام المقارن بمعهد ماساسوشتس للتكنولوجيا-: يمكن تشبيه ما فعلته الألعاب في الكمبيوتر الشخصي بما فعلت ناسا بالكمبيوتر المتعدد الأغراض والمهام: أداة لدفع الابتكار والتجريب قدما.

لكن ما يهتم جنكنز بمناقشته أن الألعاب لم تعد مجرد لعبة، وإنما فنا قائما بذاته، لأنه أصبح يشبه في تصميمه وابتكاره القواعد اللازمة لإنتاج أي فن جديد، مثل الخيال، والتصميم، وخلق عالم فني موازي للواقع، أو يسبقه بالخيال. والألعاب بهذا المعنى هي سردية تفاعلية جديدة تفوق ألوانا أخرى من الإبداع من حيث الاستكشاف والإحساس بالمرح والعجب.
فمن بين توصيفات الفن ووفقا لهال باروود : "الفن هو ما ينجزه الناس عندما لا يعرفون تماما ماذا يفعلون، وعندما تنمحي خطوط تحديد الطريق، وعندما يكون التعبير غامضا، وعندما يكون نتاج عملهم جديدا ومتفردا".
في كتاب "الصناعات الإبداعية" الذي حرره جون هارتلي، وترجمه للعربية بدر الرفاعي، وصدر عن سلسلة عالم المعرفة، يناقش هنري جنكنز ويقدم قراءة جديدة لواحد من أهم الجهود إثارة للنقاش حول الجدارة الجمالية للثقافة الشعبية وهو كتاب (7 فنون حية) من تأليف جيلبرت سيلدز، الذي صدر عام 1924، لكن الكاتب يقدم هذا الجهد بتطبيقه على مجال الألعاب الافتراضية كمجال جديد.

منذ البداية كانت الألعاب قادرة على انطباعات انفعالية قوية – يقول جنكنز- ويضيف: أن النسخ الأولى من لعبة باك مان أو أسترويدز كان من الممكن أن تثير مشاعر توتر قوية أو جنون الارتياب. وتمثل أعمال شيجيرو مياجاوا مشاهد تخييلية، تضارع في فرط حيويتها وذكائها مسلسلات " كويزي" كات الكارتونية، أو كوميديات مات سينيت التي تحظى بإعجاب سيلدز.

وللفن العظيم والحي عدو مشترك واحد هو: "الفنون الزائفة" والفنون المتواضعة المردود، التي تهدف إلى إحلال "تـنقية التــقنية" محل "تنقية الذوق"، والانفصال في هذا السياق عن الثقافة المحيطة بها. وهو يحذر من أن الفنون الشعبية تَعدْ عادة بما لا تستطيع الوفاء به؛ وتستوجب شروطها التجارية عدم الإشباع الكامل وجعلنا تواقين إلى المزيد من الاستهلاك، لكنها لا "تخرب" الانفعالات في مخاطبتها بصورة مباشرة. على أن الثقافة المتواضعة المردود تغرينا عادة بخيالات التحسن الاجتماعي والثقافي على حساب الجدة والابتكار. ويسعى سيلدز إلى نشر صدمة قيم الثقافة الشعبية المعاصرة لهذه الفكرة المتأصلة عن الفنون، وفرض إعادة النظر في العلاقة بين الفن والحياة اليومية.


السؤال الذي يريد أن يطرحه جنكنز هنا هو هل يمكن أن تنضج الألعاب لتصبح شخصياتها المرسومة تضاهي شخصيات السينما، الواقعية أو الكارتونية، من حيث قدرتها على التأثير على انفعالات المتلقي، بمعنى أن يحب أحد اللاعبين شخصية محاربة في اللعبة بقدر حبه لشخصية مثيلة تؤدي دورها أنجلينا جولي في السينما مثلا؟ أو أن يبكي اللاعبون لموت شخصية من شخصيات اللعبة كما يتأثرون عند مشاهدة فيلم مثل"تايتانك".
من الواضح أن التصميمات الراهنة لم تصل بعد إلى الإمكانات التي يمكن أن تحقق هذا التأثير، لأن فنية الألعاب لا تتحقق من استنساخ المشاعر.

لكن هناك جدل واسع بين المصممين ودارسي الألعاب ومن يسمون بالسرديين ومصممي اللعبة الصرف، إذ يرى البعض أن الاستفادة بتطبيقات هوليود السردية سيؤثر على جوهر مفهوم اللعبة سلبا، وهنا يوضح ستيفن بول الفكرة بقوله:" لا تثير اللعبة الجميلة الإعجاب مثل الفنون الجميلة، إلا بطريقة مفعمة بالحيوية على نحو متفرد. ولأن لعبة الفيديو يجب أن تتحرك، فليس بإمكانها الاحتفاظ بالتوازن الدقيق للتكوين الذي ينال تقديرنا في الرسم؛ ولأنها من ناحية أخرى ، يمكن أن تتحرك، فهي وسيلة لمعاينة العمارة، بل وخلقها ، بطريقة لا تضارعها فيها الصور الفوتوغرافية والرسوم. وإذا كانت العمارة موسيقى مجمدة، فإن لعبة الفيديو عمارة سائلة".
المقال يهدف في النهاية لبيان أن الوعي والنضج لازم، حتى في تصميم الألعاب، لأنها ستصبح فنا شعبيا شعبية كبيرة وبالتالي مؤثرة، وأن هذا النضج يستلزم تحقيقه بتيارات نقدية جديدة لنقد مضمون وتقنيات الألعاب. طبعا هذا لا يخصنا عربيا، فنحن مستهلكون، فقط، وليس لدينا نقاد في مجالات الفنون الأساسية فما بالكم بالألعاب الإلكترونية؟‍‍‍‍؟
نشرت في المدونة 30 يونية 2007

Saturday, June 23, 2007



صناعة الدهشة‍‍



بالرغم من تتبعي لكثير من الصحف اليومية والمواقع الخبرية العربية والأجنبية إضافة إلى قنوات الفضائيات التي أصبحت متابعتها مثل الإدمان من فرط الأحداث الرهيبة التي تدور في عامنا يوميا، إلا أن المدونات، وخاصة المكتوبة باللغة الإنجليزية قادرة على إدهاشي. الكثير من المدونات يتضمن أخبارا لا تتابعها الصحافة العربية، وبعضها يتضمن تحليلات وتعليقات على أحداث لا تهم إلا المواطن الأمريكي، أو المواطن الغربي عموما، ومع ذلك فلها أهميتها بالتأكيد للقارئ العربي لأن المؤكد أن ما يحدث في أي بقعة من العالم الآن يؤثر كثيرا على أطراف أخرى.
من بين ما أدهشني هو بعض المدونات المشغولة بالرقص، ليس فقط لأنها تقدم نقدا رفيعا لأنواع مختلفة من فنون الرقص وإنما لأنها تلقي الضوء على بعض الظواهر اللافتة والفريدة وبينها قصة الفتاة ليزا بوفانو التي فقدت أطرافها الأربعة إثر مرض عضال أصابها وهي في الثانية من عمرها، لكنها مع ذلك لم تيأس، وقررت أن تصبح راقصة تبدو لكل من يشاهدها طبيعية.

ليس ذلك فقط، بل إنها استطاعت أن تنال جائزة دولية في الرقص تمنح للراقصات المبتكرات ذوات الأداء الراقي، وهو ما تناولته في واحد من الموضوعات في هذه الصفحة.
تقدم ليزا بوفانو بإنجازها هذا نموذجا رفيعا في الإرادة والتحدي، والإقبال على الحياة. وتؤكد عمليا أن الكثير ممن يعتبرون أنفسهم أصحاء هم ، ربما المعوقون. معوقون بفقدان الثقة في النفس، ومعوقون في نقص الخبرة والتدريب اللازم لأي نجاح، وبفقدان الأمل. ولعل في هذا الخبر، أو الخبرة، رسالة ما لمجتمعاتنا العربية التي فقدت الأمل، أو كادت.
أما الموضوع الثاني فهو يخص رجلا تخصص في ممارسة الرقص الشرقي، وتدرب على يد عدد من الراقصات المحترفات في الولايات المتحدة، وهذا عندي يدخل في منطقة الدهشة، فليس من المتخيل أن يتمتع الرجل بالقدرة على الرقص الشرقي لأسباب عديدة منها ارتباط هذا الفن بجسد الراقصات، لكن ربما يعود ذلك إلى أن مفهوم الرقص الشرقي كما تقدمه الراقصات الغربيات بلا عاطفية أو وجدانية، وبأداء به الكثير من النشاز هو الذي تسبب في اقتناع ذلك الرجل بالفكرة. ربما. لكن اللافت هو أن المدونات بالفعل، ورغم العدد اللانهائي من وسائل الإعلام في أرجاء العالم ما زالت قادرة على أن تبث فينا الدهشة ربما لتؤكد لنا أيضا أننا نعيش زمن العجائب.

إبراهيم فرغلي


مدونات تعشق الرقص


"من يمر عليه يوم دون أن يرقص فهو لم يعش ذلك اليوم" .. لست صاحب هذه المقولة لكنني رأيتها في صدارة إحدى المدونات الأمريكية وعنوانها " راقصة سامبا بحيرة البجع". صاحبة المدونة تدعى تونيا بلانك، لكنها، ليست راقصة فقط ، وإنما كاتبة أيضا، ولها عمل روائي منشور، إلا أنها مغرمة بالرقص، وتتناوله في مدونتها كثيرا، كما تتابع بالتدوين والتصوير بعض مسابقات الرقص الأمريكية، لكنها مولعة بالرقص اللاتيني، وبينها رقصة السامبا خصوصا. إلا أن تدويناتها تتمتع بأسلوب لغوي جيد، وبنوع من العمق بالإضافة إلى خبراتها التي تلقي الضوء على مجتمع المؤلفين الأمريكيين، خاصة أولئك الذين غيروا مسارات حياتهم من أجل الكتابة.
فهي مثلا تحكي في واحدة من تدويناتها عن زيارتها المعتادة إلى" مقهى شارع كارنوليا"، هذا المقهى يعرف بأنه يخصص مساحة واسعة لا يدخلها إلا أعضاء مشتركون فيما يسمى بغرفة قراءات الكتاب. وهو المكان الذي يقدم فيه هؤلاء الكتاب أيضا أمسيات للجمهور يقرأون فيها من أعمالهم وفقا للتقليد السائد في أنحاء أوروبا وأمريكا.
كانت القراءة في ذلك اليوم للكاتبة سوزان بوتنوايسر الحاصلة على إحدى الجوائز الأدبية الأمريكية، ولارا تروبر التي كانت مغنية في البارات ثم كتبت رواية أحدثت لها شهرة وهي رواية الليالي الألف وواحدة، وسيجني هيومر التي نشرت سيرتها الذاتية، وكان فيها ما دفع صاحبة المدونة لحضور تلك القراءة.
سنفهم من التدوينة لاحقا ان سيجني هي راقصة في إحدى فرق الرقص، وتحكي عن تفاصيل علاقتها بالرقص والفريق الذي التحقت به والصعوبات التي واجهتها، ثم تتوقف المدونة لتقارن بين تأثير القراءة عن الرقص كما سمعته في تلك الليلة وبين القراءة الخاصة التي يقوم بها أي شخص وهو مسترخ على الأريكة، وبين تأثير مشاهدة الرقص نفسه. وكيف أن القراءة الخاصة قد يكون لها تأثير أكبر، وغيرها من الملاحظات الدقيقة عن القراءة والرقص.
وقد دفعتني هذه المدونة لتتبع المدونات المهتمة بالرقص، واكتشفت أن هناك بالفعل عددا من المدونات المهتمة بالرقص، بكل أنواعه، بعض المدونات لهواة رقص يتحدثون عن مفهومهم عن الرقص كوسيلة للتعبير الحركي، وتفاصيل التدريبات التي يقومون بها، والبعض يقدم أخبارا عن العروض الراقصة، خاصة فيما يعرف بالرقص الحديث، بينما كانت هناك مدونتان استوقفاني كثيرا، المدونة الأولى لراقص رجل يهوى الرقص الشرقي، وهذا أيضا هو نفس عنوان مدونته، الرجل يبدو من اسمه أن له أصول شرقية، فهو يدعى شاريف، لكن ملامحه أجنبية. هذا الرجل مهووس بالرقص الشرقي، ليس كمتفرج، وإنما كمؤدي، ويشير في المدونة إلى ذلك، وإلى دروس الرقص الشرقي التي تعلمها على بعض أشهر الراقصات المتخصصات الأمريكيات في الرقص الشرقي، وتتضمن مدونته العديد من الراقصات، وصور له أيضا وهو يضع يرقص في حفلات للرقص الشرقي، وفي أثناء التدريبات، وهو يرتدي صديري أسود قصير، وسروال ملون يشبه ما ترتديه الراقصات في فرق الفنون الشعبية، أو كما يشيع في زي الجواري كما تصوره الدراما العربية.
ولم أستطع أن أفهم الرجل في الحقيقة، لأن الرقص الشرقي يعتمد على إحساس الأنثى بجسدها، ويجعلها تعبر عن نفسها، ولهذا ربما ارتبط في الذهن العربي بنوع من الحسية، وبأنوثة الراقصة، وبالإحساس بالإيقاع الذي يجعل أي عربي يدرك من مدى ليونة الحركة إذا ما كانت الراقصة عربية أم غربية.
أما المدونة التي أثرت في كثيرا فعنوانها هو أعظم الرقصات، وعنوانها الإلكتروني هو: http://greatdance.com/danceblog/

وهي مدونة متخصصة في الكتابة عن العروض الراقصة الحديثة، بالكتابة وبالعروض الحية حيث توجد عادة لقطات متحركة من العروض وبينها عرض بعنوان" خمسة أفواه مفتوحة" تقوم ببطولته راقصة تسمى ليزا بوفانو بمفردها، لكن المدهش أن تلك الفتاة معوقة إعاقة مزدوجة، نعم، بلا قدمين وبلا كفين، ومع ذلك فهي راقصة من طراز رفيع حققت برقصاتها جائزة عالمية في نيويورك مؤخرا.
ليزا بوفانو كانت في الثانية من عمرها فقط عندما أصيب جسدها ببكتيريا خطيرة تسببت في تعطيل وصول الدم إلى أطرافها مما استدعى بترها، لكنها رغم ذلك لم تفقد دافعها للحياة، ولا ثقتها بنفسها، وقررت أن تصبح راقصة. وهي تستخدم أطرافا صناعية مخصصة للرقص، وتخلها ف] أثناء الرقص، لتؤدي حركات على الأرض، لا تسمح لمن يشاهدها أن يدرك أنها بلا كفين، أو قدمين. فهي تؤكد أنها تريد أن تشاهد أثناء الرقص جذابة وجميلة مثل أي راقصة أخرى، وبالنسبة لها فإن الرقص محاولة لتأكيد أنها طبيعية مثل أي إنسان آخر وهذا هو نفس مفهوم العرض الذي قدمته أخيرا، والذي يشير عنوانه" خمسة أفواه مفتوحة" إلى أصابعها الخمسة المبتورة.
وهكذا تعلمنا ليزا بوفانو برقصاتها وإبداعها ما قد لا ندركه في دهر من الزمن أو الخبرة، تماما كما تفعل بعض المدونات.

لصــوص النـــــــار





في صحبة لصوص النار
رحلة ممتعة في عقل وروح 13 كاتبا عالميا


لا يسع أي صحفي ثقافي غيور على مهنته إلا أن يشعر بالغيرة من جراء قراءة كتاب مثل "في صحبة لصوص النار" لجمانة حداد، فالكتاب يضم حوارات مع 13 كاتبا من ألمع كتاب العالم، يمثل كلا منهم مشروعا أدبيا قائما بذاته، وبعضهم من حائزي جائزة نوبل، وهم جميعا قامات أدبية لها حسابها في خارطة الفكر والإبداع العالمي المعاصرة، والمؤكد أن أي صحفي معني بالثقافة والأدب لديه الطموح لأن يحاور مثل هؤلاء الكتاب، وهو ما سعت وبادرت إليه جمانة حداد وحققته باقتدار. أما القارئ الذي لا تعنيه كثيرا غيرة الصحفيين وتفاصيل مهنتهم فلا يعنيه سوى المتعة، وهي المشترك الأساسي لكل من يقرأ هذا الكتاب.

يضم الكتاب حوارات مع كل من "إمبرتو أيكو"، "جوزيه ساراماجو"، " أيف بونفوا"، "بول أوستر"، "باولو كوليو"، "بيتر هاندكه"، "ماريو فارياس يوسا"، "ألفريده يلنك"، "أنطونيو تابوكي"، "الطاهر بن جلون"، "مانويل فاسكيث مونتالبان"، "نديم جورسيل"، "ريتا دوف".

تحكي حداد قبل كل حوار قصة الحوار، كيف بدأت محاولاتها الدؤوبة في الاتصال بالشخص، وكيف سارت الأمور، سفرا إلى باريس، أو إلى إيطاليا، أو ألمانيا، وأحيانا، إلى صدف نادرة مثل اتصالها المستمر بأنطونيو تابوكي، ثم اتصالها به في باريس خلال تواجدها هناك، لتجده قد ألغى رحلة بالصدفة وعاد إلى بيته الباريسي حيث التقته وأجرت الحوار.
أما الحوارات نفسها فتعكس معرفة المحاورة الجيدة بأدب كل من الكتاب الذين خططت للقائهم، وبالكثير من المعلومات عن إنجازاتهم، وأهم مراحل حياتهم، مما يعطي عمقا للأسئلة المطروحة، والأهم هو طابع الندية في الحوار، فالمحاورة هنا ليست مجرد صحفية لديها قائمة أسئلة تقوم بتسجيل الإجابات على جهاز التسجيل الذي يخصها، وإنما مثقفة لها أفكارها الخاصة ورؤاها، ومداخلاتها التي تضع القارئ في كل حوار أمام كاتبين وليس كاتبا واحدا، وهي بهذا تقدم نموذجا للحوار الصحفي ليس بوصفه حوارا ترويجيا يبتغي الحصول على أجوبة تعليمية أو وعظية، وإنما حوار معرفي ينطلق من العلاقة الثقافية الندية بين السائل والمجيب.
الحوار في هذا الكتاب سفر كما تقول جمانة حداد:" زيارة تقوم بها إلى عقل الآخر وقلمه وروحه وحياته ومزاجه، وربما مكبوتاته ولاوعيه. تجوال في أمكنة، وترحال داخل أشخاص و"شخصيات". بازل ملون، مؤلف من مدن ومواهب وطبائع متباينة، تجمع نيويورك بلندن، الشاعر بالروائي بالمفكر، الانطوائي بالاستعراضي بالبين بين، والمبدأ بنقيضه أو بجسر الوصول إليه. هكذا قدم لي الكتاب الذين حاورتهم، بطريقة غير مباشرة، هدايا نادرة. فصحيح أني جلت العالم برفقتهم من أسبانيا إلى ألمانيا، ومن البرتغال إلى كولومبيا، وهلم، لكن يظل الأهم والأثمن أنهم سمحوا لي أن أطوف في اشد العوالم تشويقا وإثارة وغنى: عالم فكرهم المتنوع".

والحوارات لا تكتفي بالعميق الملتبس، أو بالأفكار الأدبية والسياسية فقط، وإنما تتحيز للإنساني أيضا، وتكشف الكثير من الجوانب الشخصية للكتاب، ليس ادعاء المعرفة عما لا يعرفه الآخرون وإنما مما تنقله المحاورة من تفاصيل تمر عبر الحوار، فهي مثلا في حوارها مع الكاتب البيروفي المبدع يوسا تقول:" قريب يوسا، ودود ومحب، كأنه لفرط دفئه وحنانه وبساطته، ذلك العم البعيد الذي هاجر إلى أميركا اللاتينية عندما كنا أطفالا، وعدنا لنلتقي به الآن. يتمتع بحس فكاهة رائع، ولكم ضحكت عندما شرعت في عملية تفريغ الحوار على الورق، ورحت أستمع إلى رنين قهقهاتنا في الشريط كل خمس دقائق(..) يتكلم يوسا بصوت عال جدا ، كخطيب على منبر، وبالطريقة نفسها يتحدث في أسرار الأدب وفي احتمالات القهوة: " هل تريدين السكر أو الحليب مع فنجانك؟" سألني فجأة في منتصف لقائنا، بين جملتين في موضوع الإيروتيكية، وذلك من دون أي تغيير في النبرة، حد أنني ظننت لوهلة أن استفهام روحه المضيافة هو جزء "سوريالي" من جوابه عن دور الجنس في الآداب والفنون".
كما تقدم أوصافا عابرة ودقيقة عن أماكن اللقاء والانطباعات الأولى عن الشخصيات ، مثل غرفة مكتب إيكو بالمدرسة العليا للعلوم الإنسانية بإيطاليا، والتي تصفها ب"مغارة على بابا بنسختها الإيطالية الحديثة، ومن بين ما تصف به إيكو نفسه البراجماتية والحرص الشديد على الوقت، وتصف الفوضى في المكان ثم تضيف:" ودعونا لا ننسى المنفضة الطافحة بأعقاب السجائر. فالأستاذ العزيز، والخطيب البليغ إذ يتلمظ الكلمات إذ يتفوه بها لم يكف عن التدخين لحظة واحدة طوال مدة اللقاء".
وعن بول أوستر تقول:" رجل كثير الدفء كثير المرح كثير الموهبة كثير الخفر هو بول أوستر: كنت حدست ذلك منذ لقائنا "القرائي"، ثم "الصوتي"، وترسخ الشعور عندما تعارفنا." الكتاب هو المكان الوحيد في العالم الذي يستطيع فيه غريبان كاملان أن يلتقيا بحميمية كاملة" يقول هذا الروائي الكبير. صحيح، لكنه لا يعادل لذة اللقاء بك وجها لوجه يا ساحر نيويورك".
اما الأفكار التي يتضمنها الكتاب فهي بمثابة شحنة معرفية موسوعية موضوعها المعلن الأدب بينما تتراوح بين الشعر والحداثة والنص التفاعلي إلى الكتابة الشبقية ومنها إلى السياسة والالتزام، وجماهيرية الكاتب، والدين والتصوف والنسوية وغيرها وغيرها مما يجعل من أي قراءة غير مباشرة للكتاب مبتسرة وفاقدة للكثير من الحيوية والدقة والمتعة التي يتضمنها جميعا هذا الكتاب الصادر عن دار النهار، إضافة إلى طبعة أخرى عن دار"أزمنة" يتم توزيعها في العالم العربي.


إختلاف



ثقافة مختلفة

للوهلة الأولى قد تبدو هذه الصفحة مخصصة للإنترنت، والمدونات، وهذا في الحقيقة جزء من اهتمامها، لكنها ليست صفحة متخصصة في التكنولوجيا أو التقنية الرقمية، بقدر ما أنها صفحة ثقافية تتكئ على الوسائط الافتراضية الحديثة؛ لتوسيع دائرة المعرفة من جهة، وإشاعة ثقافة الحوار من جهة أخرى.
هذه الصفحة تحاول أن تتخذ من ظاهرة البلوجز ومن شبكة الإنترنت ذريعة لسياحة غير محدودة في عوالم غير مطروقة كثيرا في الإعلام المصري، والثقافي منه على نحو خاص.
وربما لهذا السبب اخترت أن أتعرض في هذه الصفحة لعدد من "الكتب الحوارية" التي صدرت أخيرا وتضم حوارات مع كبار الكتاب العالميين، أحد هذه الكتب كنت قد أشرت إليه وهو "في صحبة لصوص النار" للشاعرة والصحافية الزميلة جمانة حداد، أما الكتب الأخرى فهي " مكان تغمره الخصوصية" ترجمة وتقديم محمد هاشم عبد السلام، " في ضيافة هنري ميللر" لباسكال فريبوي وترجمة سعيد بوكرامي، " حرائق السؤال" من ترجمة محمد صوف.
تشترك هذه الكتب جميعا في أنها تجمع حوارات مع ألمع كتاب العالم، لكن، من بينها ، يتميز كتاب جمانة حداد بصفته الكتاب العربي الوحيد الذي حقق هذه الحوارات الذكية، والانفرادية، مع تلك الكوكبة من المبدعين من كتاب العالم في الغرب، أجرتها جمانة بلغة كل كاتب والتي تراوحت بين الفرنسية والإنجليزية والأسبانية والإيطالية والألمانية التي تتقنها جميعا جمانة ، وهو ما يمنحها سمة التفرد إضافة إلى مزايا أخرى أشرت إليها في الموضوع.
أهمية هذه الحوارات أنها مع كتاب لهم أعمال مؤثرة في جمهور عريض، هذا الجمهور لا يتاح له معرفة هؤلاء الكتاب عن قرب لأسباب ذكرتها في هذه الزاوية سابقا أهمها نجومية هؤلاء الكتاب وتعففهم عن الإعلام، وصعوبة الوصول إليهم من الأساس. وبالتالي فهذه الكتب تقدم فرصا استثنائية للاقتراب من أرواح الكتاب، والتعرف على عوالمهم الباطنية والداخلية العميقة، وأيضا الاقتراب من الجوانب الخاصة والخفية من شخصياتهم مما يجعل منها جميعا رحلات لأرواح استثنائية ..وتجميعا لثقافات متباعدة ومتشابكة في نفس الوقت لتقدم فيضا من ثقافة كونية نحن في أمس الحاجة إليها اليوم، الآن وهنا على نحو خاص.
إبراهيم فرغلي

الإثارة الإلكترونية




الإثارة الإلكترونية بين مونرو وموس





لفت انتباهي وأنا أطالع موضوعا عن غرف الكتاب نشرته صحيفة الجارديان قبل نحو أسبوعين أن الكاتب البريطاني حنيف قريشي أشار في وصفه للغرفة إلى صورة مثيرة ل"كيت موس"، وتصورت، في البداية، أنها مطربة بوب بريطانية، لكني بالصدفة كنت أتابع أحد المواقع الإخبارية وعرفت أنها موديل وعارضة أزياء من أشهر عارضات أوروبا وبريطانيا على نحو خاص، وأنها شاركت أيضا في تصوير مجموعة من الفيديو كليب الخاصة بأشهر نجوم الغناء وبينهم "السير إلتون جون"، كما أنها تصدرت بصورها أغلفة 300 مجلة من أشهر المجلات الفنية والمختصة بالأزياء في العالم.
وهي ايضا من أكثر الشخصيات الشهيرة تعاونا ومشاركة في المشروعات الخيرية، بالجهد والتمويل. واخيرا هي الآن أشهر مصممة أزياء بريطانية، وقد أثار افتتاح معرضها الأخير لأحدث تصميماتها ختناقات مرورية بسبب اصطفاف الجمهور في طابور طويل لمشاهدة العرض.
كنت في الأثناء أتساءل عن سر اهتمام كاتب مثل قريشي بصورة موس، وأنا أعود بذاكرتي إلى بعض الصور الشهوانية لمطربة البوب مادونا خلال فترة المراهقة لعدد من أصدقائي وفي غرفتي. وتبينت أننا الجيل الذي كان يبحث عن صورة عصرية لأيقونة الجيل السابق علينا ممثلا في مارلين مونرو، التي تربعت على العرش بلا منافس.
قارنت بين صورة موس ومونرو وتبينت أولا أن البريطانيين ينحازون إلى أيقونات من ثقافتهم، ويتجنبون الأيقونات الأمريكية، كما أن الذوق الآن يميل لتفضيل النحافة كرمز للأنوثة مقارنة بالجسد اللين الشائع في الستينات، والذي جسدته مونرو على القمة.

وهذا كله يمكن تفهمه بلا جهد، لكن اللافت أن نظرة عيني موس تخلو من ذلك المزيج الفاتن من الذكاء المختلط بالإغواء، ومن بريق الفتنة التي لا يمكن أن تغفل أن هذا الجمال يسيطر عليه عقل جميل.
وهو ما تأكد لي عندما طالعت الموقع الخاص بمارلين مونرو الذي تتصدره مقولة لها تقول فيها:" هوليود هي مكان يدفعون لك فيه ألف دولار من أجل قبلة، و50 سنتا فقط من أجل روحك" . لهذا ففي تأملي لصور مونرو كنت ارى في ابتسامتها المغوية استخفافا خفيا لا تستطيع إخفاءه وهي تحدق لعين مصورها عبر عدسة الكاميرا، بينما موس لا تهتم إلا بالصورة كنموذج، وكتشكيل مالي، يخلو من وهج الروح الذي اتسمت به صور مونرو اتي "تطل فيها علينا بنظرات تبدو كأنها تحاول أن تنفذ لروح من يشاهدونها. ولعل هذا ما جعلها أكثر امرأة وقفت أمام عدسات الكاميرا في التاريخ المعاصر، وأيقونة الإغواء للقرن العشرين، لكن ذلك لم تصنعه مواصفات جسدية وملامح فاتنة فقط، وإنما عقل جميل، توجهه روح أخفت مشاكلها النفسية والعاطفية المعقدة وبؤسه طفولتها أمام العدسات واحتفظت بها لنفسها ولطبيبها النفسي حتى أفلت في ذروة شبابها.

إبراهيم فرغلي

نشرت في المدونة في 9 يونية 2007

مونرو الروح أم الجســـــــــد؟




مونرو..الروح أم الجسد؟
أصبحت المواقع الإلكترونية على الإنترنت بمثابة أرشيف موثق للكثير من الأحداث، ولكثير من الشخصيات، التاريخية والسياسية والأدبية والفنية وغيرها. وعلى ذكر الشخصيات الفنية فعلى تعدد الشخصيات التي تحظى مواقعها بأعداد كبيرة جدا من المتصفحين، فمن بين هذه الفئة،خاصة الفنانات اللائي يتمتعن بالجاذبية والإثارة، تظل نجمة الإثارة الراحلة مارلين مونرو على رأس القائمة رغم مرور عدة عقود على رحيلها.
وربما ان محاولة المقارنة بين مونرو وأي شخصية معاصرة لن تكون سهلة، بمعنى أن المقارنة ستكون عادة في صالحها. وهذا ما جعلني، بعد عدد من المقارنات أتساءل عن سر مارلين مونرو: لماذا تحتل هذه المكانة والإعجاب الذي ينتقل للأجيال، جيلا بعد آخر؟ هل المسألة تتعلق، فقط، بكونها قدمت نموذج الفتاة المثيرة الساخنة، والقادرة على إغواء الرجال؟ أم أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير؟
أعتقد أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، فصحيح أن مونرو تربعت عرش النجومية بلا منازع كنجمة شباك في أفلام هوليوود، كما عرفت بتعدد علاقاتها التي تجاوزت دائرة النجوم والممثلين إلى مجال الكتاب المرموقين حيث تزوجت من المؤلف الشهير آرثر ميللر، ثم تعدت علاقاته كل ذلك إلى دوائرالسياسة وصولا للرئيس الأمريكي الراحل كينيدي. وصحيح أيضا أن انتحارها في ذروة تألقها أبقاها في المخيلة الجماعية شابة حية ومتألقة، وأثار الكثير من اللغط حول ظروف انتحارها.
لكن ما لا يتحدث عنه أحد أن نموذج الفتاة الدمية البلهاء الذي دأبت هوليود على ترسيخه في أذهان الجمهور، هو لا أصل له في الواقع، لأن الرجال الذين ارتبطت بهم لم يكن معروفا عنهم البحث عن مثل تلك الدمى الشهوانية. كما أن تحلق الجمهور حولها كان مشوبا بهالة من الإعجاب، حافظت عليه بذكائها.
وفي الكتاب الذي نشره طبيبها النفسي من تسجيلات الشرائط التي كان يسجلها لها في جلسات العلاج يمكن أن نلاحظ، بلا كثير من الفطنة، أننا إزاء سيدة بالغة الذكاء، والعاطفية، والنضج، والخبرة في الحياة. وأنها أبدا ليست دمية ولم تكن. وأن كل هذه الأسباب هي التي تجعلها،حتى هذه اللحظة، تعيش في ذاكرة الجمهور. وخيالهم، رغم محاولات تجار الأيقونات الذين حاولوا أن يقيدوها داخل أطر وقيود البراويز وإطارات الصور، بينما هي ترسم ابتسامتها الذكية، التي تجمع الشجن بالمكر والإغواء بالبراءة كأنها تأبى على نفسها الابتذال. ترضخ للصورة بينما تعرف أن روحها، التي تتوهج في نظرة عينيها، هي التي ستجعل الجمهور يتذكرها بلا شهوة أو شبق، على عكس كل من حاولن تقليدها بابتذال.
إبراهيم فرغلي

نشرت في 9 يونية 2007

المدونات الحســــــية



ثقافة أم استعراض؟
من إيجابيات ظاهرة المدونات أنها تغلق باب الكبت، وتعطي الفرصة للشباب أن يعبروا عما يدور في أذهانهم، وهو
ما عبر عنه الكاتب الصحفي القدير سلامة أحمد سلامة في الحوار الذي أجرته معه الزميلة دينا توفيق بإحدى الصحف المستقلة الأسبوع الماضي.
وهذا صحيح في الواقع، فالمدونات، شئنا أم أبينا، تبدو كمتنفس لكثير من المكبوتات التي كانت حكرا على الصدور والمجالس الخاصة، وربما دفاتر الخواطر والمذكرات في الماضي. لكن بعض هذا المكبوت يتعارض مع سياق الخواطر الشخصية ليدخل باب الاستعراض وخاصة في بعض المدونات أو البلوجز التي تتوسل شكل المدونة لتبث صورا خليعة، أو تروي قصصا إباحية، تفتقر للأدب (بمعناه الفني وليس الأخلاقي)، ولا تفرق بين الكتابة الإيروتيكية الحسية التي تنحاز للمعنى الإنساني، وبين البورنوغرافية التي تتحيز للشهواني المثير الذي يركز على الغرائز بشكل مفتعل، ومبتذل، يعكس هوسا جنسيا وكبتا شبقيا مرضيا في آن.
ولا تقتصر هذه المسألة على عالمنا العربي، وإنما تتجاوزه للغرب، فبينما توجد بعض المدونات الغربية والأمريكية التي تقوم فيها بعض الفتيات باستعراض جوانب من حياتهن الشخصية، وبينها حياتهن العاطفية والحسية، فهناك زوجات يسردن أيضا يومياتهن بما فيها أزماتهن العاطفية، والملل الجنسي من أزواجهن، وكيف يحاولن التغلب على ذلك بتجديد أسلوب الحياة والممارسة العاطفية الحسية، أو يسردن بعض المغامرات العاطفية التي يلقين بأنفسهن فيها، إما في إطار سري، أو حتى غير سري، وبالرغم من أن هذه الظواهر بها بعض السلبيات الأخلاقية، أو يمكن إدانتها أخلاقيا بشكل مباشر، إلا أنها تظل مقيدة بأطر الظروف الاجتماعية وضغوط الحياة، ويمكن مناقشتها من هذه الزاوية، لكن هناك مدونات أخرى تبدو إباحية تماما، لا تهتم إلا بالشهوة والغريزة في شكلها المطلق. وهو ما أصبح مثار تعليقات وانتقادات إعلامية في الصحافة الغربية.
أما الظاهرة الثانية التي تناولتها بعض وسائل الإعلام الغربي مؤخرا فهي تتعلق ببعض من يستخدمون الإنترنت للكتابة عن تجاربهم الحسية، ويكشفون في نفس الوقت هوية من يمارسوا معهم هذه العلاقة دون أن تعرف تلك الأطراف الأخرى ذلك، مما يتعارض مع أعراف حفاظ الأشخاص على خصوصياتهم.
أما المؤكد فهو اختلاف الظاهرة ومعناها في ثقافتنا العربية عنها في الغرب، فمن الواضح أن فكرة إشاعة أو فضح العلاقات الخاصة ليس واردا في المدونات العربية، حتى لو كانت هناك بعض الاستثناءات، لكن السؤال هو هل يمكن أن تكون هذه الخبرات وسيلة لحل المشكلات العاطفية والجنسية في مجتمعات شاعت فيها أمية ثقافية وجنسية لسنوات، أم أنها لن تزيد الطين إلا ابتلالا ووحلا؟ ربما تعرف الإجابة طريقها في المستقبل القريب، أو أن تحث على إشاعة الثقافة الجنسية بشكل موضوعي وشرعي عبر القنوات الإعلامية بشكل أكثر تنظيما وموضوعية.
إبراهيم فرغلي

الحياة الحميمة الخاصة بين التلميح والتصريح
" هناك الآن عدة آلاف من الأشخاص حول العالم من مستخدمي البلوجز الذين يستعرضون التفاصيل الخاصة بحياتهم الجنسية بالشكل الذي يجعل بيرجيت جونز تحمر خجلا، وبينما لا تعد كتابة الخواطر الصريحة شيئا جديدا، فإن التكنولوجيا الجديدة تتيح الآن نشر قصص عن الجنس مع الغرباء أو زملاء العمل، أو حتى مع الأصدقاء والشركاء العاطفيين متاحة للآخرين لقراءتها في بقية أرجاء العالم في ثوان معدودة"..هكذا يشير تقرير صحفي نشرته وكالة رويترز حول استخدام المدونات الأجنبية في الكتابة عن الخبرات الجنسية بشكل مكشوف.
" لا أعتقد أن هناك جديدا في الحديث عن الجنس، ما تغير فقط هو الوسيلة التي يتم فيها تناول الموضوع" هذا ما تقوله "آبي لي" التي تعد واحدة من أحد أشهر المدونين البريطانيين عن الجنس وتضيف أن شبكة الإنترنت أصبحت تقدم وسيلة سهلة للقراءة والكتابة حول الموضوع.
يشير التقرير إلى البلوجز بوصفها مواقع شخصية يمكن للأشخاص أن يدونوا بها مذكراتهم ويومياتهم، والتعليق على الأحداث الجارية، أو الارتباط بوصلات لمواقع أخرى تتناول موضوعات شبيهة أو تتضمن صورا، وتشير الإحصاءات الخاصة بقوائم المدونات أن هناك نحو سبعة ملايين مدونة حول العالم تهتم بالجنس والعلاقات الحسية بشكل من الأشكال.
وقد أدى تنامي الظاهرة إلى شيوع نوع من الجدل والنقاشات الأدبية والأخلاقية والقانونية حول مدى التعارض بين مفاهيم حرية التعبير والتعرض لخصوصية أشخاص يتم تناولهم دون أن يعرفوا في تلك الموضوعات.
وكانت المدونة الأمريكية جيسيكا كالتر قد تعرضت لدعوى قضائية بعد أن نشرت على الإنترنت قصص علاقاتها مع بعض الرجال في أثناء عملها كمساعدة لدى أحد أعضاء مجلس الشيوخ، مما اضطر أحد هؤلاء الأشخاص لرفع دعوى قضائية يتهمها فيه باختراق خصوصياته، وبعد انتهاء قضيتها نشرت كتابا حول الفترة التي قضتها في مجلس الشيوخ، وبعدها وافقت على أن تنشر صورا عارية لها في مجلة بلاي بوي.
وفي حوار صحفي أجرته معها صحيفة الواشنطن بوست قالت: " أنه لمدهش أن تلتقي بعض هؤلاء الأشخاص المتمين بهذه الفضائح الجنسية الوضيعة..يبدو الأمر وكأنهم مندهشون من وجود عاهرة في مثل تلك الأماكن، هناك بالفعل الملايين منهن"!
إن الحرية في استخدام البلوج للتعبير عن أي رأي هو نوع من المزايا الملتبسة، كما تقول الدكتورة بيترا بوينتون، فأنت لا تعرف إذا ما التقيت شخص ما إذا ما أنه سيدون ما يدور بينكما أم لا، ولا توجد هناك أية قواعد إرشادية أو كتب تقدم لك الطريقة الصحيحة للتدوين.
أما المدونة البريطانية آبي لي فتقول: كتاب المدونات لا بد أن يمتلكوا التوازن الذي يتيح لهم الحفاظ على خصوصية هوية الأشخاص الآخرين، خاصة عندما يكونوا من الكتاب الذين يوقعون بأسمائهم الشخصية الحقيقية. ولذلك ، ولأنني أحافظ على هذه القاعدة فإنني لا أبالي إذا ما كانوا يعرفون أنني أكتب عنهم أم لا، ولا أهتم بتقديرهم لي بناء على ما أكتبه، ولا بضغط مواجهة انطباعات الناس بأنني أقدم نوع من الاستعراض الجنسي لمجرد أني امرأة.
ووفقا لتقرير رويترز تشير لي إلى أحد المدونين البريطانيين المقيم في الصين، والذي كتب ما اعتبره البعض محاولة لإغواء أنثى في الصين، وواجه انتقادات القراء على مدونته الذين واجهوه بنتقاداتهم، وسرعان ما أثير الموضوع في الصحافة وأثار عددا من ردود الفعل، بالرغم من أن أحدا لم يستطع كشف شخصية المدون الحقيقية، وعلقت بعض الجهات الدينية على الموضوع محذرة من سوء استخدام الإنترنت، ومن كونه قوة يمكن إساءة استخدامها وخاصة فيما يتعلق بالتحرش الجنسي بالأطفال.
أما بالنسبة لمستخدمي الإنترنت فإن ردود أفعالهم مختلفة إذ يؤكدون أن الإنترنت في الأساس يمثل أحد وسائل الترفه، والتثقيف، والتعليم، وحتى فيما يتعلق بالجنس، فهو وسيلة لتناول موضوع بالغ الحيوية لا تهتم به قنوات الإعلام النمطية على وجه الإطلاق.
وتناول التقرير رأي إحدى السيدات التي تعمل في صناعة الجنس في بريطانيا ولها مدونة تكتب فيها عن خبرتها إذ تقول: أنا لا أعتقد أن هناك شخص واحد في أوروبا كلها وشمال أمريكا في عمر أقل من 60 عاما ما زال يعتبر مثل هذه الأمور نوعا من الخصوصية. بالنسبة لي كل ما أرته هو أن أكتب دون أن أعلن عن هويتي حول عملي في صناعة الجنس البريطانية.
أما الكاتبة المتخصصة في الثقافة الجنسية سارة هيدلي فتقول أن من يكتبون عن الجنس، ليس لديهم سوى قابلية ورغبة وخيال، فليس كل ما يكتب عن الجنس هو حقيقي.
ويشير التقرير أنه بعيدا عن هذا الجدل فالثابت ان الإنترنت له دور كبير في تقديم الثقافة الجنسية، والتربية العاطفية، خاصة في دول العالم النامي الذي يعاني من قلة المصادر التثقيفية المتاحة.
إلا أن السؤال المهم الذي تطرحه الدكتورة بوينتون له وجاهته أيضا فهي تقول: هل ساهم مناخ الحرية الجنسية الذي يعيشه الغرب في حل المشكلات الجنسية في المجتمعات الغربية، والإجابة هي: أنه بالرغم من كل مظاهر التحرر وحرية التعبير عن الرغبات الجنسية والحديث عن الرغبة والاحتياجات العاطفية إلا أن المجتمعات الغربية بشكل عام ما زال الكثير من أفرادها يعانون من العديد من المشكلات الجنسية المرضية، ولا يتمتعون بالصحة النفسية
والجسدية والجنسية التي كان يتمتع بها أجيال الأجداد في أوروبا وأمريكا على السواء.
إبراهيم فرغلي

Friday, June 22, 2007






مكتبات الحياة!

احتفلت مكتبة ديوان الأسبوع الماضي بمرور خمس سنوات على إنشائها، فأقامت حفلات توقيع لكتاب من أمثال أهداف سويف وروبرت فيسك، كما أقامت احتفالية كبيرة في دار الأوبرا المصرية شارك فيها مجموعة كبيرة من الكتاب هم بهاء طاهر وأهداف سويف وروبرت فيسك وجلال أمين وأحمد العايدي.
اللافت هو عدد الحضور الذي تجاوز الثلثمائة شخص أغلبهم من جمهور مكتبة ديوان، أي من جمهور القراء الذين أثبتت ديوان أنهم موجودون ولكنهم فقط يحتاجون لمناخ مناسب يتيح الأجوء المناسبة للبحث عن الكتب وتفحصها أو حتى قراءة أجزاء منها قبل قرار الشراء.
فقد أسست هذه المكتبة البديعة جوا فريدا للمكتبة، سواء بمساحات العرض الأنيقة العصرية وتوفير مقاعد لمن يرغب في الاطلاع على الكتب، بالإضافة إلى وجود ركن بالمكتبة بمثابة مقهى تتوفر فيه القهوة والمشروبات الساخنة والموسيقى، يمكن لزوار المكتبة ارتياده، أو لمن يرغب في قضاء وقت ممتع في أجواء حميمة تحيط به الكتب، بينما يستمع للموسيقى التي تتردد في الأرجاء.
وسرعان ما كشفت ديوان عن جمهور واسع من القراء، يقرأون الأدب والسياسة والعلوم الاجتماعية،وتاريخ العالم والدراسات النفسية والفلسفية,والفنون بكل أنواعها، وصولا حتى لكتب التسلية الخفيفة، بالإضافة لجمهور قراءة الأعمال المترجمة والكتب الإنجليزية في كافة المجالات، وأسهمت ديوان في انتعاش حركة الكتب، وكسرت الشكل التقليدي للمكتبة التي كان مرتادوها يشعرون فيها بالقلق من شدة مطاردة العاملين بها لهم يتعجلونهم بالسؤال عما يحتاجون إليه، وخاصة مكتبة مدبولي الشهيرة. واكتشف الناشرون أن الأعمال الأدبية، حتى لشباب الكتاب، لها جمهور واسع، وأن الأزمة ليست في عدم الإقبال على القراءة، وإنما في غياب المكتبات ومنافذ توزيع الكتاب.
لهذا فقد كانت مشاركة الحضور في فعاليات الاحتفال مشوبة بالحب وبالبهجة الحقيقية من كل محبي الكتاب الذين أرادوا بحضورهم أن يؤكدوا لأصحاب المشروع، خاصة الشقيقتين هند ونادية واصف، أنهم أنجزوا إنجازا رائعا، وأعادوا للكتاب هيبته، ومنحوه المكان الذي يليق به، ووفروا لعشاقه أيضا المناخ الذي يليق بهم، وتمنوا أن يكون بالقاهرة، بعد أن عرفوا أن ديوان ستفتتح فرعها الثاني بحي مصر
الجديدة قريبا ، ألف ديوان.
إبراهيم فرغلي



معارض الكتاب الإلكترونية

يعتبر معرض فرانكفورت للكتاب واحدا من أشهر معارض الكتاب في العالم، فهو أهم معرض دولي للكتاب من حيث قيمة تعاقدات النشر وتبادل الحقوق. وبالرغم من أن موعده الرسمي هو شهر أكتوبر من كل عام، إلا أنه يوفر على موقعه الإلكتروني على شبكة الإنترنت كل ما يتعلق بأخبار الصفقات الدولية في مجال النشر، وأخبار أهم المعارض الدولية للكتاب، وطبيعة المشاركة فيها إذا كان سيقدم لها الدعم الفني كما حدث لمعرض جنوب إفريقيا الدولي للكتاب، وكذلك معرض أبو ظبي الدولي السابع عشر المقامة فعالياته بالعاصمة الإماراتية في الوقت الراهن.
هذا الموقع الإلكتروني لمعرض فرانكفورت يقدم خدماته هذه على امتداد العام، وبالتالي فهو يكاد يكون مواكبا لأهم الفعاليات التي تحدث في مجال النشر وبيع الحقوق والظواهر الجديدة في الأدب وغيرها طوال السنة مما يجعل منه موقعا حيويا لا تقل أهميته عن أهمية المعرض نفسه.
وبطبيعة الحال يبلغ نشاطه ذروته في فترة إقامة المعرض نفسه حيث يقدم متابع دقيقة للندوات والأنشطة، ويخصص ملفا لثقافة الدولة المستضافة كضيف شرف وفقا للتقليد القديم الذي ينتهجه المعرض منذ سنوات،ويقدم تفاصيل الصفقات الخاصة بتعاقدات النشر من اللغة الأللمانية للغات الأخرى والعكس، مع توفير الصور من كل الفعاليات.
من بين ما نشره الموقع هذا الأسبوع تقريران أولهما عن معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، وتقرير آخر عن ظاهرة الكتابة الجديدة في جنوب إفريقيا،سنلقي الضوء عليهما فيما يلي:
معرض أبو ظبي..إنطلاقة للعالمية:
يشير التقرير إلى سعادة معرض أبو ظبي الدولي في دورته الحالية ليعلن عن النجاح الكبير الذي واكب افتتاح فعالياته هذا العام، خاصة وأن الاهتمام بالمعرض من خلال المهتمين سجل ارتفاعا ملحوظا وغير مسبوق في تاريخ المعرض، خاصة بعد إعلان التعاون مع إدارة معرض فرانكفورت للكتاب، وهو ما تجلى في مؤشرات تسجيل المشاركة من الناشرين الأجانب بدرجة غير مسبوقة، إضافة إلى التطور الذي تجلى في طريقة العرض، والمساحة التي أضافت للمعرض صفة الضخامة ، حيث زادت مساحته من 3000 متراإلى 5542 مترا هذا العام. وبلغ عدد الناشرين المشاركين في هذه الدورة 399 ناشرا من 46 دولة( مقارنة ب374 من 20 دولة فقط العام الماضي)، بينها 105 جهة مشاركة من دولة الإمارات، وشهد هذا العام زيادة مشاركة العارضين الأجانب من 29 دولة لأول مرة.
هذا المظهر الجديد لمعرض أبو ظبي الدولي للكتاب يمثل الخطوة الأولى في استراتيجية تستهدف أن تصبح أبو ظبي السوق الرائدة في نشر وتسويق الكتاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. مع الاستفادة بالخبرة الكبيرة التي تتمتع بها إدارة معرض فرانكفورت في تطوير خطط التسويق وتنشيط حركة بيع الحقوق والترجمة بين الشرق والغرب.
كما سينعكس التطور الحادث على طبيعة الفعاليات والأنشطة من خلال المعرض حيث ستعقد ندوات يشارك بها الكثير من المتخصصين في الترجمة والأدب من الدول الأوروبية وأمريكا، حيث تعقد ندوات تجمع المترجمين مع الكتاب الذين ترجموا أعمالهم مثل أدونيس وهدى بركات وغيرهما.
كما يوفر المعرض كتابا يتضمن كل المعروض به من كتب لتنشيط حركة التعاقدات والتسويق خلال فترة المعرض وما بعدهاـ مما سيعطي لهذا المعرض صورة مختلفة تماما ليس عن المعرض في دوراته السابقة، فقط، وإنما عن أغلب معارض العالم العربي أيضا.
الكتابة الجديدة في جنوب إفريقيا:
سيشارك معرض فرانكفورت في دعم معرض جنوب إفريقيا للكتاب في دورته المقبلة التي ستعقد في شهر يونية 2007، إلا أن هذا الدعم له الكثير من التوابع، وبينها الاهتمام بدعم حركة النشر في جنوب إفريقيا، وإلقاء الضوء على الحركة الأدبية هناك، لذلك نشر موقع معرض فرانكفورت تقريرا كتبته كارين روتر عن حركة الكتابة الجديدة في جنوب إفريقيا أشارت فيه إلى أن المشهد الأدبي هناك يواكب نوعا من الانتعاش الذي يعززه مجموعة من الكتاب الشباب الذين لمعت أسماؤهم على مدى العمين أو الثلاثة الماضية من أمثال أنرو براون، زاكس مدا، ليبو ماشيلي، جابيبا باديرون، مارليز هوبس، ماكسين كايس، راسل براون لي، هنرييت روزين وغيرهم. هذا النشاط عكسه فوز مجموعة من كتاب جنوب إفريقيا الشهر الماضي بجوائز الاتحاد الأوروبي والكومنولث وجوائز الصندوق الثقافي البريطاني للأدب الإفريقي.
وينعكس نجاح هذه الأعمال من خلال نشر بعض دور النشر الكبرى العالمية لأعمال اولى لهؤلاء الكتاب، ومن دور النشر تلك "راندوم هاوس" و"جاكانا" "وإفريقيا الجديدة" وغيرها.
ولكن لماذا هذه الطفرة المفاجئة في الأدب الجنوب إفريقي؟ وما سبب انتعاش تلك الكتب العديدة التي تتسم بأنها كلها من تأليف الكتاب الشباب المحليين وتقرأ بكثافة من جمهور السكان وتحتل مساحات كبيرة في رفوف المكتبات؟ لا بد أن نعود أولا إلى عام 2002، حيث نشرت صحيفة النيويورك تايمز مقالا للصحفية راتشيل سوارنز قالت فيه: أن جنوب أفريقيا ما بعد الأبارتهايد يتجاوز فيها الكتاب من ذوي البشرة السمراء حيز العنصرية الضيق الذي لا يرى إلا الظلال البسيطة للأبيض والأسود، واقتطفت قولا من الكاتب الراحل ك. سيللو دويكر "نحن أناس عاديون، لنا مشاعر، وطموحات، ونعيش كل الدراما التي يواجهها كل من يحاول أن يعيش. الكتاب السود قبلي، كان يتوجب عليهم أن يتناولوا الظلم الذي كان سائدا، أما أنا فيمكنني أن أقول ما أرغب فيه. أنا حر".
أما الكتاب الجدد فقد تجاوزوا الكثير ممن سبقوهم، وكتبهم تتناول موضوعات عدة تتراوح بين قصص الحب الرومانسية، وقصص الجريمة، وفوبيا بغض الأجانب، ومرض الإيدز. وتعاملون مع العلاقات الخاصة والحميمة بشكل مختلف ومتخلص من الإلرث الكلاشيهي القديم. بإمكانهم أن يكونوا شديدو الجدية، أو أن يكونوا مفرطين في المرح والكتابة الساخرة. ويكتبون ما يحب الناس أن يقرأوه. وهو ما لفت انتباه الناشرين لهم لأنهم يجتذبون شباب القراء وهذا هو السوق المتنامي الذي يعتمد عليه مستقبل الصناعة.
ومع ذلك فهذا لا يعني أن كل شاب لديه مخطوط يستطيع أن ينشره، أو أن هناك ثروة ضخمة يحققها من ينشر لهم. فالأمر، في النهاية هو ظاهرة تتشكل، ومعدل توزيع الكتاب هو 3000 نسخة، وإذا وصل إلى 10000يعد أنه من الأكثر مبيعا.
ومع ذلك يجمع المؤلفون أن بإمكان تسويق الكتاب أن يصبح أكثر حيوية بالابتكار والترويج، بينما ترى إحدى الناقدات المهتمة بالفنون الإفريقية في جنوب إفريقيا أن الموسيقي الفولكلورية الإفريقية نجحت في ربط الشباب بها عبر صور عديدة وعلى الكتاب أن يستفيدوا من هذه التجربة.
ويشير موقع المعرض إلى العديد من المفاجآت التي سيشهدها معرض الكتاب في كيب تاون الشهر بعد القادم.
عنوان المعرض:
BOOK- FAIR.COM

الشعراء المنتحرون
انتهت الشاعرة اللبنانية جمانة حداد من إنجاز أنطولوجيا عن الشعراء المنتحرين في العالم وسوف تصدر بعد أيام عن دار النهار. عنوان الكتاب "سيجيء الموت وستكون له عيناك" (وهي جملة مستلّة من قصيدة للشاعر الايطالي المنتحر تشيزاري باڤيزي)، وتضمّ 122 شاعرا و28 شاعرة من 48 بلداً مختلفاً، ومن جهات العالم الأربع. تطلّب إنجاز هذا العمل الموسوعي الضخم، الذي يقارب الستمئة صفحة بين تقديم وترجمة وملاحق واحصاءات وخلاصات، أربعة أعوام من البحوث والاختيارات والترجمات الحثيثة من جانب حداد، والاطلاع على أكثر من سبعين مرجعاً ومصدراً مختلفاً بين كتب شعرية وأنطولوجيات ودراسات. أهمية هذه الأنطولوجيا تكمن أيضاً في أن معظم قصائدها تتمحور حول تيمة الموت، وفي أنها متعددة اللغة، تتقابل فيها الترجمات العربية مع النصوص المنقولة في غالبيتها عن لغاتها الأصلية (وهي الفرنسية والانكليزية والاسبانية والايطالية والبرتغالية والألمانية)، وفي بعض الأحيان عن لغة وسيطة، هي إما الفرنسية وإما الانكليزية.
يُذكر أن أنطولوجيا الشعراء المنتحرين ستوزّع في الأسواق اللبنانية كما في مختلف العواصم العربية، وسيعقد حولها احتفال ضخم في بيروت في الخريف المقبل.
ومن كلام الناشر عنها:

"هذا الكتاب هو كتابٌ أنطولوجيّ مستفزّ وعدوانيّ بسبب "هويته" الانتحارية. يرى الى الشعراء المنتحرين في القرن العشرين بعينٍ شعريّة وترجميّة، علميّة، ومعرفيّة، ومدقِّقة، وصارمة، وليّنة، وعارفة، وذكيّة، ونزيهة، ومتمرّسة بجوهر الشعر وبالترجمات الواثقة من مرجعياتها ومعاييرها اللغوية، ومن معادلاتها ودلالاتها وتأويلاتها الشعرية.
وهو كتابٌ عالِمٌ، من الصفحة الأولى الى صفحته الأخيرة. لكنْ مُسكِرٌ. وخاطفٌ. ومستولٍ. وصافعٌ. ومدوِّخٌ. وجالِدٌ. ومقلِقٌ. ومخيفٌ. وموحشٌ. ومعذِّب. ومتوحّشٌ. وطاردٌ للنوم ومهشِّلٌ لسكينة الروح. وخصوصاً مسالِمٌ وفاتحٌ لشهية المعرفة والاستزادة.
وهو كتابٌ يصعق قارئه ويصيبه بالدوار، وإن يكن قارئاً "حديدياً"، متماسكاً، ويقف على أرض ثابتة.
وهو ذو أنياب. ومفترس. إذ لا يتخلّى عن قارئه إلاّ ملتهَماً وأشلاءً منتشية.
لكن، ليس الانتحار ما "يدمّر" المتلقّي العارف، في هذا الكتاب، ويجعله يصاب. فهذه بداهةٌ "عاطفية" لا تنطلي على المتمرسين بالشعر وترجمته. ذلك أن "الدمار الروحيّ" الذي ينطوي عليه لا يستدرّ الشفقة بقدر ما يستدرّ الحريق الأدبي، وبقدر ما يفتح الدروب، دروب العين والقلب والتأمل والرؤية، الى طعنات الشعر النجلاء، وترجماتها، والى جهنّم الذات الشعرية وتلبّداتها.
أنطولوجيا جامعة مانعة، وليست للنزهة والترفيه "الاكزوتيكي" في عالم الشعراء الانتحاري. تنطوي على ترجمات لقصائد مهلكة من فرط رؤيويتها، وعلى مقدمة دراسية ونبذ ومعارف ومقابسات ومقارنات وتحليلات، شعرية ولغوية ونفسية، وطبية. ذلك ان القارىء الذي يقرع بابها و"يقع في مطبّها"، يجد نفسه تحت سقف عمارة "انتحارية"، خالصة، وخالية من الثغر والنقائص. فكأنها حصيلة عملٍ جماعيّ مضنٍ ودؤوب لفريقٍ متكامل من الباحثين والدارسين والمترجمين، من العالم أجمع، في حين أنها صنيع الشاعرة والمترجمة جمانة حداد وحدها

الكتب خان

بعد الشهرة التي حققتها مكتبة ديوان كمكتبة عصرية توفر وسائل عرض حديثة ومناخ مناسب للقراءة والاستمتاع بالمشروبات الساخنة وقضاء وقت طيب بصحبة الكتب، ظهرت العام الماضي مكتبة "كتب خان" في حي المعادي القاهري، والتي تحتفل هذه الأيام بمرور عام على إنشائها، صاحبة المكتبة هي شابة تحب الكتب، وتحلم منذ سنوات بإقامة مكان يجتمع فيه عشاق الكتاب، يقرأون ويستمتعون بوقتهم، ويستمعون لأنواع من الموسيقى الجميلة في اجواء حميمة، وأخيراستطاعت كرم يوسف أن تحقق الحلم، ليس فقط بإقامة مكتبة لها هذا الطابع العصري، وإنما بعمل أمسيات أدبية وشعرية لكبار وشباب الكتاب أكدت بها التزايد المستمر في عدد عشاق الكتاب ومحبي القراءة، ليس في حي المعادي فقط، وإنما في أرجاء العاصمة.
توفر كتب خان على موقعها الإلكتروني عناوين 7000 كتاب في شتى فروع المعرفة موجودة في المكتبةـ أو يمكن توفيرها من خلالها، من تارخ مصر المعاصر، إلى الآثار المصرية القديمة، والأدب الكلاسيكي والمعاصر وصولا لأحدث أجيال الكتاب في مصر وخارجها. إضافة لكتب الديكور والتصميم الداخلي والكتب الفنية المصورة أو التب المتخصصة في المسرح والسينما.
هه مكتبة أخرى من مكتبات الحياة، التي تحتفي بالمعرفة في أجواء لا تليق إلا بها. عنوان الموقع هو
kotobkhan.com
نشرت هذه المادة في صفحة المدونة في 7 إبريل 2007

فرقعات تدوينية

استضافت قناة"أو تي في" المصرية قبل حوالي أسبوع الناشر محمد هاشم المسؤول عن دار ميريت للنشر
وعندما سألته عن آفاق المستقبل ردد كلمة"نقوم الآن بالنشر للمدونين" أكثر من مرة. وهو ما لفت انتباهي، وكأن المدون هي صفة تعطي لأدب هذا المدون طابعا خاصا.
والحقيقة أن الأدق هو وصف هذه الكتابات بأنها كتابة جيل الألفية الجديدة، وبالصدفة فكثير من أدباء هذا الجيل لديهم مدوناتهم الشخصية التي اختبروا خلالها قدراتهم الأدبية، وحصلوا على بعض ردود الفعل، لكن في النهاية فهذه المدونات هي، فيما يتعلق بدور أصحابها ككتاب، لا يعدو أن يكون دورا دعائيا، لأنهم في التدوين، وعلى خلاف الأدب الذي يكتبونه، يستخدمون العامية، ويردون على بعضهم البعض بسخرية، ويشاغبون أنفسهم والآخرين بروح شبابية، وبأسلوب يقترب من أسلوب الحوار اليومي كما يشيع لدى الأجيال الجديدة.
أعتقد أن محمد هاشم في اهتمامه بأنه ينشر للمدونين، اهتم بهذه الصفة الدعائية، لأنه يعرف أن المدونين يقومون بالدعاية لأعمالهم والمناقشة حولها مما يحقق لها الذيوع. لكن محمد لم يتحدث عن القيم الأدبية التي تتناولها أعمال المدونين. هناك أعمال أدبية تستحق النشر، سواء كان كتابها مدونون أم لم يكونوا.
هناك أعمال لافتة للأجيال الجديدة مثل أحمد العايدي ونائل الطوخي، ومحمد علاء الدين، لكن هناك أيضا ظاهرة لافتة هي استعجال هذا الجيل، ونزعته الدعائية والاستعراضية، وهي نزعة لم تكن موجودة لدى جيل التسعينات الذي اتسم بالتنوع والجدة ، وهو أيضا جيل مقل، لكن كل رموزه ما زالوا ينتجون ويجربون وليس لديهم مشاعر التحقق، والاكتمال التي يعاني منها جيل الألفية الجديدة مبكرا.
محمد هاشم في الدعاية للمدونين يبدو مثل منتج اسطوانات، أو فيديو كليب، يؤكد أنه ينتج أغان"مطرقعة" بغض النظر عن القيم الفنية التي تعيش بها فقط أعمال لها قيمتها، سواء كانت أغان شعبية، أم أوبرات عالمية. أما التدوين فهو ليس صفة تعطي لأي كاتب ميزة إضافية، تماما كما شأن الطبيب المدون، أو ساعي البريد، أو المناضل السياسي، أو غيرهم من الفئات.
الكتابة الفنية قيمة كبيرة والاجتراء عليها قد يوجد موجات من الصخب التي تلوح آفاقها في بعض "كتب الموضة" المنتشرة الآن، وهنا، ولكن كم من فرقعات ذهبت، كما جاءت، ولا يبقى إلا القيمة، شئنا، وشاء المدونين، ومحمد هاشم، أم أبينا جميعا!
إبراهيم فرغلي
نشرت في صفحة"المدونة" بالطبعة العربية للأهرام في 7 مايو 2007

"كتبخانة"..القراءة برؤية شابة




نشرت الأسبوع الماضي في زاوية "فضاءات" تحية وإشادة بمطبوعة شابة هي مطبوعة "كتب خانة" وأبادر بتصحيح ما نشر خطأ بأن الطلبة من جامعة عين شمس، بينما الصحيح أنهم ينتمون لجامعة القاهرة.
هذه المجلة التي أعطت للكتاب ثقله الذي يستحقه كهدف جوهري ، ومنطلق لتناول الكثير من المناحي تستحق أكثر من تحية لجرأة الفكرة في مجتمعات تتهم بقلة إقبال أفرادها على القراءة. ولأنها أثبتت أن الكتاب هو المدخل لفهم العالم وللمعرفة التي توازي في معناها المطلق للحياة.
فقد قادت الكتب في هذه المجلة لفتح ملفات سياسية ساخنة مثل فكرة الصحوة الإسلامية في مواجهة العلمانية، أو مناقشة فكرة كيف يصبح الديكتاتور فنانا في قراءة لكتاب يحمل نفس العنوان وينطلق من أمنية رددها صدام حسين قبل إعدامه عندما سؤل إذا ما كان له الحق في تكرار الحياة فقال أنه سيكون ديكتاتور فنانا!
كما أفسح العدد باب الحوار مع عدد من الكتاب من خلفيات ثقافية متعددة منهم الدكتور عبد الوهاب المسيري، والكاتب الروائي صنع الله إبراهيم، والكاتب إبراهيم عبد المجيد، الدكتور عبد المعطي بيومي والدكتور أحمد زايد. كما تزخر المجلة بموضوعات عديدة مثل قضية إخراج الكتاب وصناعة الغلاف عبر حوار مع الفنان صاحب البصمة الخاصة أحمد اللباد.
بالإضافة لموضوعات أخرى عن أسباب الإقبال على الأعمال المترجمة، وفن السيرة الذاتية، والترجمة والكتب الموسيقية، أي المختصة بالموسيقى، والكتب الفنية، وصناعة النشر وغيرها من الموضوعات ذات الصلة، وصولا حتى للحقل الرياضي عبر الكتب التي تهتم بالرياضة البدنية واللعبات الشعبية.
كما يتوقف العدد أمام عدد من القضايا الحيوية، سواء على مستوى السياسة الدولية وتأمل الظاهرة الإيرانية، أو على المستوى الاجتماعي ومناقشة مفهوم المواطنة عبر مراجعة العلاقات التاريخية بين مسلمي مصر وأقباطها وغيرها من القضايا الجوهرية مما يميز المجلة بنوع من الشمولية في الرؤية وتكاملها.
والأهم من هذا كله هو التأكيد على ضرورة الكتاب والقراءة التي تبشر مثل هذه المجلة بأن المستقبل سيكون له، وأن ما نحلم به من تراكم للمادة الإعلامية الثقافية والمتخصصة سيصبح واقعا على يد مثل هؤلاء الشباب وأمثالهم.
لذلك لا بد من التأكيد أنه لولا طموح وجهد كل هؤلاء الشباب ما أمكن لهذا المشروع أن يرى النور وهؤلاء الشباب هم: مروة مصطفى، منى ضياء، إنجي غازي، إيمان ياسر، حاتم رضا، سارة عباس، علا عبد الله، علياء ماضي، محمد جلال، مروة علاء الدين، مروة مصطفى، منى ضياء، مها فهمي، نرمين عاطف، نرمين مرزوق، هالة عبد اللطيف هند إبراهيم. وهذا الجهد تم تحت إشراف >ليلى عبد المجيد ود.محمد منصور، وأيمن عبد الهادي، بينما ترأس مجلس إدارة المجلة الدكتورة ماجي الحلواني. فلهم جميعا التحية والتقدير على جهد نتمنى أن نرى بشائره على
صفحات الإعلام وشاشاته قريبا
نشرت بصفحة المدونة بالطبعة العربية بالأهرام في 23 يونية2007.

ثقافة سمعية




في الثقافة العربية تنتشر الثقافة الشفاهية مقارنة بالثقافة المكتوبة، وهو ما يمكن ملاحظة شواهده في العديد من الظواهر، مثل شيوع النميمة، والقابلية لتصديق الشائعات دون تحري الحقيقة، وفي سيادة ثقافة العنعنة والنقل والاتباع دون الإبداع، وغيرها وغيرها.
الثقافة الشفاهية هي المرحلة الأولى في التطور البشري، وعندما اكتشف الإنسان أن الذاكرة تخون، وتغير الحقائق، وتلونها أحيانا، إضافة إلى أن قدراتها الاستيعابية محدودة أدرك احتياجه للتدوين، والحضارات الكبرى كلها تأسست على التدوين والثقافة المكتوبة المدونة الأصيلة.
لكن المجتمعات العربية فيما يبدو، في غالبيتها على الأقل، ما زالت تحن للثقافة الشفاهية والسمعية، ربما لأنها أسهل ولا تحتاج لجهد البحث والتوثيق والقراءة. كما أنها ثقافة تناسب الموافقة الجماعية على أي شيء دون التوثق من صحتها لأنها تصدر من ثقات بالنسبة لمن يسمعها.
ولعل هذا ما يبرر انحدار نسبة القراءة للمستوى المخجل الذي تسجله الظاهرة عربيا. كما يبرر ردود الفعل العصبية الغوغائية التي تنتشر بين آن وآخر بدعوى الحفاظ على القيم أو التقاليد، أو حتى في شيوع الخرافة والقابلية لتصديقها، كما حدث مؤخرا في عدد من الوقائع التي لم يكن يناسبها إلا العصر الحجري حين تحلق جمع بجوار شجرة وصفها البعض بأنها معجزة!!
مثل هذه النموذج من الثقافة المعطوبة لديها من الزهو بالجهل ما يجعلها تتورط في إدانة ما لا يدان، أو الإشادة بما لا ينبغي الإشادة به من وجهة نظر إنسانية وعقلانية.
وفي هذا النموذج أيضا تسود حالة من المظهرية على حساب المضمون، والاستعراضية على حساب الجوهر. بما في ذلك بعض ظواهر التدين المغالى فيه بالشكل الذي يبدو فيه الفرد وكأنه يزايد على تدين الآخرين ومعتقداتهم.
الثقافة السمعية قد تكون سببا للعديد من الظواهر التي قد تحتاج لمساحات كبيرة لرصدها وتعدادها، لكنها، في نفس الوقت نتيجة العديد من الظروف التي تحتاج للمواجهة ومراجعة السلوكيات بعيدا عن ثنائيات الثقافة العربية ممثلة في الأبيض والأسود، النهار والليل، الحرام والحلال، بحيث تحل المرونة والقدرة على المراجعة وإيجاد البعد الثالث في كل الأمور لكن مثل هذا السلوك، أو التوجه، لا تنتجه إلا الثقافة الكتابية، بكل مواصفاتها العقلانية الموضوعية ، ثم إعلاء صوت العقل والضمير الإنساني على أي نبرة أخرى، وبغير ذلك ستظل مجتمعاتنا أسرى الواقع الذي ينتمي للماضي أكثر بكثير من انحيازه للمستقبل.
إبراهيم فرغلي