Friday, June 29, 2007

فن العمارة السائلة



‍‍‍

ألعاب الفيديو..فن العمارة السائلة
تمثل الألعاب فنا مثيرا جديدا يتناسب مع العصر الرقمي مثلما كان الإعلام القديم ملائما لعصر الآلة. فهي منفتحة على خبرات جمالية جديدة وتحول شاشة الكمبيوتر إلى ساحة للتجريب والابتكار ذات جمهور عريض.

هذه المقولة لهنري جنكنز ربما تحثنا على عقد مقارنة بين جيل قديم كان يتجمع للعب "البنج بونج"، وكرة القدم، إلى جيل جديد، يختلي بنفسه إلى شاشة الكمبيوتر، ليحرك بذهنه عالما افتراضيا. لكن بقواعد جديدة. صحيح أن كلا الجيلين مارسا الأمر وفقا لمنطق اللعب، لكن الفرق شاسع من حيث أن لاعب "البنج بونج" القديم، أمام طاولة اللعب، يراكم مهارته، وخبرته في هذا المجال فقط، ويحشد ذكاءه للتجويد، ولرفع مستوى مهارته، وإيجاد الوسائل التي يمكن بها أن يراوغ خصمه بأقل مجهود، أما اللاعب في التقنية الحديثة الرقمية، فأمامه عالم غير محدود ، ليس فقط من احتمالات اللعب، وإنما من أنواع اللعب أيضا.

فكما يقول جنكنز- مدير برنامج دراسات الإعلام المقارن بمعهد ماساسوشتس للتكنولوجيا-: يمكن تشبيه ما فعلته الألعاب في الكمبيوتر الشخصي بما فعلت ناسا بالكمبيوتر المتعدد الأغراض والمهام: أداة لدفع الابتكار والتجريب قدما.

لكن ما يهتم جنكنز بمناقشته أن الألعاب لم تعد مجرد لعبة، وإنما فنا قائما بذاته، لأنه أصبح يشبه في تصميمه وابتكاره القواعد اللازمة لإنتاج أي فن جديد، مثل الخيال، والتصميم، وخلق عالم فني موازي للواقع، أو يسبقه بالخيال. والألعاب بهذا المعنى هي سردية تفاعلية جديدة تفوق ألوانا أخرى من الإبداع من حيث الاستكشاف والإحساس بالمرح والعجب.
فمن بين توصيفات الفن ووفقا لهال باروود : "الفن هو ما ينجزه الناس عندما لا يعرفون تماما ماذا يفعلون، وعندما تنمحي خطوط تحديد الطريق، وعندما يكون التعبير غامضا، وعندما يكون نتاج عملهم جديدا ومتفردا".
في كتاب "الصناعات الإبداعية" الذي حرره جون هارتلي، وترجمه للعربية بدر الرفاعي، وصدر عن سلسلة عالم المعرفة، يناقش هنري جنكنز ويقدم قراءة جديدة لواحد من أهم الجهود إثارة للنقاش حول الجدارة الجمالية للثقافة الشعبية وهو كتاب (7 فنون حية) من تأليف جيلبرت سيلدز، الذي صدر عام 1924، لكن الكاتب يقدم هذا الجهد بتطبيقه على مجال الألعاب الافتراضية كمجال جديد.

منذ البداية كانت الألعاب قادرة على انطباعات انفعالية قوية – يقول جنكنز- ويضيف: أن النسخ الأولى من لعبة باك مان أو أسترويدز كان من الممكن أن تثير مشاعر توتر قوية أو جنون الارتياب. وتمثل أعمال شيجيرو مياجاوا مشاهد تخييلية، تضارع في فرط حيويتها وذكائها مسلسلات " كويزي" كات الكارتونية، أو كوميديات مات سينيت التي تحظى بإعجاب سيلدز.

وللفن العظيم والحي عدو مشترك واحد هو: "الفنون الزائفة" والفنون المتواضعة المردود، التي تهدف إلى إحلال "تـنقية التــقنية" محل "تنقية الذوق"، والانفصال في هذا السياق عن الثقافة المحيطة بها. وهو يحذر من أن الفنون الشعبية تَعدْ عادة بما لا تستطيع الوفاء به؛ وتستوجب شروطها التجارية عدم الإشباع الكامل وجعلنا تواقين إلى المزيد من الاستهلاك، لكنها لا "تخرب" الانفعالات في مخاطبتها بصورة مباشرة. على أن الثقافة المتواضعة المردود تغرينا عادة بخيالات التحسن الاجتماعي والثقافي على حساب الجدة والابتكار. ويسعى سيلدز إلى نشر صدمة قيم الثقافة الشعبية المعاصرة لهذه الفكرة المتأصلة عن الفنون، وفرض إعادة النظر في العلاقة بين الفن والحياة اليومية.


السؤال الذي يريد أن يطرحه جنكنز هنا هو هل يمكن أن تنضج الألعاب لتصبح شخصياتها المرسومة تضاهي شخصيات السينما، الواقعية أو الكارتونية، من حيث قدرتها على التأثير على انفعالات المتلقي، بمعنى أن يحب أحد اللاعبين شخصية محاربة في اللعبة بقدر حبه لشخصية مثيلة تؤدي دورها أنجلينا جولي في السينما مثلا؟ أو أن يبكي اللاعبون لموت شخصية من شخصيات اللعبة كما يتأثرون عند مشاهدة فيلم مثل"تايتانك".
من الواضح أن التصميمات الراهنة لم تصل بعد إلى الإمكانات التي يمكن أن تحقق هذا التأثير، لأن فنية الألعاب لا تتحقق من استنساخ المشاعر.

لكن هناك جدل واسع بين المصممين ودارسي الألعاب ومن يسمون بالسرديين ومصممي اللعبة الصرف، إذ يرى البعض أن الاستفادة بتطبيقات هوليود السردية سيؤثر على جوهر مفهوم اللعبة سلبا، وهنا يوضح ستيفن بول الفكرة بقوله:" لا تثير اللعبة الجميلة الإعجاب مثل الفنون الجميلة، إلا بطريقة مفعمة بالحيوية على نحو متفرد. ولأن لعبة الفيديو يجب أن تتحرك، فليس بإمكانها الاحتفاظ بالتوازن الدقيق للتكوين الذي ينال تقديرنا في الرسم؛ ولأنها من ناحية أخرى ، يمكن أن تتحرك، فهي وسيلة لمعاينة العمارة، بل وخلقها ، بطريقة لا تضارعها فيها الصور الفوتوغرافية والرسوم. وإذا كانت العمارة موسيقى مجمدة، فإن لعبة الفيديو عمارة سائلة".
المقال يهدف في النهاية لبيان أن الوعي والنضج لازم، حتى في تصميم الألعاب، لأنها ستصبح فنا شعبيا شعبية كبيرة وبالتالي مؤثرة، وأن هذا النضج يستلزم تحقيقه بتيارات نقدية جديدة لنقد مضمون وتقنيات الألعاب. طبعا هذا لا يخصنا عربيا، فنحن مستهلكون، فقط، وليس لدينا نقاد في مجالات الفنون الأساسية فما بالكم بالألعاب الإلكترونية؟‍‍‍‍؟
نشرت في المدونة 30 يونية 2007

No comments: