Saturday, June 23, 2007



صناعة الدهشة‍‍



بالرغم من تتبعي لكثير من الصحف اليومية والمواقع الخبرية العربية والأجنبية إضافة إلى قنوات الفضائيات التي أصبحت متابعتها مثل الإدمان من فرط الأحداث الرهيبة التي تدور في عامنا يوميا، إلا أن المدونات، وخاصة المكتوبة باللغة الإنجليزية قادرة على إدهاشي. الكثير من المدونات يتضمن أخبارا لا تتابعها الصحافة العربية، وبعضها يتضمن تحليلات وتعليقات على أحداث لا تهم إلا المواطن الأمريكي، أو المواطن الغربي عموما، ومع ذلك فلها أهميتها بالتأكيد للقارئ العربي لأن المؤكد أن ما يحدث في أي بقعة من العالم الآن يؤثر كثيرا على أطراف أخرى.
من بين ما أدهشني هو بعض المدونات المشغولة بالرقص، ليس فقط لأنها تقدم نقدا رفيعا لأنواع مختلفة من فنون الرقص وإنما لأنها تلقي الضوء على بعض الظواهر اللافتة والفريدة وبينها قصة الفتاة ليزا بوفانو التي فقدت أطرافها الأربعة إثر مرض عضال أصابها وهي في الثانية من عمرها، لكنها مع ذلك لم تيأس، وقررت أن تصبح راقصة تبدو لكل من يشاهدها طبيعية.

ليس ذلك فقط، بل إنها استطاعت أن تنال جائزة دولية في الرقص تمنح للراقصات المبتكرات ذوات الأداء الراقي، وهو ما تناولته في واحد من الموضوعات في هذه الصفحة.
تقدم ليزا بوفانو بإنجازها هذا نموذجا رفيعا في الإرادة والتحدي، والإقبال على الحياة. وتؤكد عمليا أن الكثير ممن يعتبرون أنفسهم أصحاء هم ، ربما المعوقون. معوقون بفقدان الثقة في النفس، ومعوقون في نقص الخبرة والتدريب اللازم لأي نجاح، وبفقدان الأمل. ولعل في هذا الخبر، أو الخبرة، رسالة ما لمجتمعاتنا العربية التي فقدت الأمل، أو كادت.
أما الموضوع الثاني فهو يخص رجلا تخصص في ممارسة الرقص الشرقي، وتدرب على يد عدد من الراقصات المحترفات في الولايات المتحدة، وهذا عندي يدخل في منطقة الدهشة، فليس من المتخيل أن يتمتع الرجل بالقدرة على الرقص الشرقي لأسباب عديدة منها ارتباط هذا الفن بجسد الراقصات، لكن ربما يعود ذلك إلى أن مفهوم الرقص الشرقي كما تقدمه الراقصات الغربيات بلا عاطفية أو وجدانية، وبأداء به الكثير من النشاز هو الذي تسبب في اقتناع ذلك الرجل بالفكرة. ربما. لكن اللافت هو أن المدونات بالفعل، ورغم العدد اللانهائي من وسائل الإعلام في أرجاء العالم ما زالت قادرة على أن تبث فينا الدهشة ربما لتؤكد لنا أيضا أننا نعيش زمن العجائب.

إبراهيم فرغلي


مدونات تعشق الرقص


"من يمر عليه يوم دون أن يرقص فهو لم يعش ذلك اليوم" .. لست صاحب هذه المقولة لكنني رأيتها في صدارة إحدى المدونات الأمريكية وعنوانها " راقصة سامبا بحيرة البجع". صاحبة المدونة تدعى تونيا بلانك، لكنها، ليست راقصة فقط ، وإنما كاتبة أيضا، ولها عمل روائي منشور، إلا أنها مغرمة بالرقص، وتتناوله في مدونتها كثيرا، كما تتابع بالتدوين والتصوير بعض مسابقات الرقص الأمريكية، لكنها مولعة بالرقص اللاتيني، وبينها رقصة السامبا خصوصا. إلا أن تدويناتها تتمتع بأسلوب لغوي جيد، وبنوع من العمق بالإضافة إلى خبراتها التي تلقي الضوء على مجتمع المؤلفين الأمريكيين، خاصة أولئك الذين غيروا مسارات حياتهم من أجل الكتابة.
فهي مثلا تحكي في واحدة من تدويناتها عن زيارتها المعتادة إلى" مقهى شارع كارنوليا"، هذا المقهى يعرف بأنه يخصص مساحة واسعة لا يدخلها إلا أعضاء مشتركون فيما يسمى بغرفة قراءات الكتاب. وهو المكان الذي يقدم فيه هؤلاء الكتاب أيضا أمسيات للجمهور يقرأون فيها من أعمالهم وفقا للتقليد السائد في أنحاء أوروبا وأمريكا.
كانت القراءة في ذلك اليوم للكاتبة سوزان بوتنوايسر الحاصلة على إحدى الجوائز الأدبية الأمريكية، ولارا تروبر التي كانت مغنية في البارات ثم كتبت رواية أحدثت لها شهرة وهي رواية الليالي الألف وواحدة، وسيجني هيومر التي نشرت سيرتها الذاتية، وكان فيها ما دفع صاحبة المدونة لحضور تلك القراءة.
سنفهم من التدوينة لاحقا ان سيجني هي راقصة في إحدى فرق الرقص، وتحكي عن تفاصيل علاقتها بالرقص والفريق الذي التحقت به والصعوبات التي واجهتها، ثم تتوقف المدونة لتقارن بين تأثير القراءة عن الرقص كما سمعته في تلك الليلة وبين القراءة الخاصة التي يقوم بها أي شخص وهو مسترخ على الأريكة، وبين تأثير مشاهدة الرقص نفسه. وكيف أن القراءة الخاصة قد يكون لها تأثير أكبر، وغيرها من الملاحظات الدقيقة عن القراءة والرقص.
وقد دفعتني هذه المدونة لتتبع المدونات المهتمة بالرقص، واكتشفت أن هناك بالفعل عددا من المدونات المهتمة بالرقص، بكل أنواعه، بعض المدونات لهواة رقص يتحدثون عن مفهومهم عن الرقص كوسيلة للتعبير الحركي، وتفاصيل التدريبات التي يقومون بها، والبعض يقدم أخبارا عن العروض الراقصة، خاصة فيما يعرف بالرقص الحديث، بينما كانت هناك مدونتان استوقفاني كثيرا، المدونة الأولى لراقص رجل يهوى الرقص الشرقي، وهذا أيضا هو نفس عنوان مدونته، الرجل يبدو من اسمه أن له أصول شرقية، فهو يدعى شاريف، لكن ملامحه أجنبية. هذا الرجل مهووس بالرقص الشرقي، ليس كمتفرج، وإنما كمؤدي، ويشير في المدونة إلى ذلك، وإلى دروس الرقص الشرقي التي تعلمها على بعض أشهر الراقصات المتخصصات الأمريكيات في الرقص الشرقي، وتتضمن مدونته العديد من الراقصات، وصور له أيضا وهو يضع يرقص في حفلات للرقص الشرقي، وفي أثناء التدريبات، وهو يرتدي صديري أسود قصير، وسروال ملون يشبه ما ترتديه الراقصات في فرق الفنون الشعبية، أو كما يشيع في زي الجواري كما تصوره الدراما العربية.
ولم أستطع أن أفهم الرجل في الحقيقة، لأن الرقص الشرقي يعتمد على إحساس الأنثى بجسدها، ويجعلها تعبر عن نفسها، ولهذا ربما ارتبط في الذهن العربي بنوع من الحسية، وبأنوثة الراقصة، وبالإحساس بالإيقاع الذي يجعل أي عربي يدرك من مدى ليونة الحركة إذا ما كانت الراقصة عربية أم غربية.
أما المدونة التي أثرت في كثيرا فعنوانها هو أعظم الرقصات، وعنوانها الإلكتروني هو: http://greatdance.com/danceblog/

وهي مدونة متخصصة في الكتابة عن العروض الراقصة الحديثة، بالكتابة وبالعروض الحية حيث توجد عادة لقطات متحركة من العروض وبينها عرض بعنوان" خمسة أفواه مفتوحة" تقوم ببطولته راقصة تسمى ليزا بوفانو بمفردها، لكن المدهش أن تلك الفتاة معوقة إعاقة مزدوجة، نعم، بلا قدمين وبلا كفين، ومع ذلك فهي راقصة من طراز رفيع حققت برقصاتها جائزة عالمية في نيويورك مؤخرا.
ليزا بوفانو كانت في الثانية من عمرها فقط عندما أصيب جسدها ببكتيريا خطيرة تسببت في تعطيل وصول الدم إلى أطرافها مما استدعى بترها، لكنها رغم ذلك لم تفقد دافعها للحياة، ولا ثقتها بنفسها، وقررت أن تصبح راقصة. وهي تستخدم أطرافا صناعية مخصصة للرقص، وتخلها ف] أثناء الرقص، لتؤدي حركات على الأرض، لا تسمح لمن يشاهدها أن يدرك أنها بلا كفين، أو قدمين. فهي تؤكد أنها تريد أن تشاهد أثناء الرقص جذابة وجميلة مثل أي راقصة أخرى، وبالنسبة لها فإن الرقص محاولة لتأكيد أنها طبيعية مثل أي إنسان آخر وهذا هو نفس مفهوم العرض الذي قدمته أخيرا، والذي يشير عنوانه" خمسة أفواه مفتوحة" إلى أصابعها الخمسة المبتورة.
وهكذا تعلمنا ليزا بوفانو برقصاتها وإبداعها ما قد لا ندركه في دهر من الزمن أو الخبرة، تماما كما تفعل بعض المدونات.

2 comments:

Mohamed Al-Ashry said...

..
شكراً يا إبراهيم
على تلك النافذة المهمة جداً في عالم التدوين
..
أحييك يا صديقي الجميل
..

ibrahim said...

شكرا يا صديقي
وأرجو أن أعرف رأيك كلما تيسر