Thursday, July 19, 2007

تـــــلك الأيــــام

تلك الأيام


لا أذكر أنني قرأت كتابا، وعشت مع أبطاله وكاتبه، بكل حواسي، يوما بيوم. وتأثرت براويه في طفولته وصباه، وشبابه وكهولته، وتنسمت الروائح التي شمها، ورأيت بعيني ما رآه ببصيرته مثلما فعل معي كتاب "الأيام" –العلامة- لطه حسين. ولا أذكر أن كتابا أعطاني الحلم في بلوغ الأمل أن أصبح كاتبا قدر ما أمدني هذا الكتاب. كما أنني لم أعرف معنى الدأب، والانتصار على العجز، والتشبث بالقوة الداخلية، المعجزة، مثلما عرفت من"الأيام"، ولم أدرك معنى قوة العقل في مواجهة الجهل والخرافة وضيق الأفق، إلا بعد قراءته. ولم تمتعني إعادة قراءة عمل، بالكامل، مرة، ومرات باستثناء هذا الكتاب.
المدهش أن "أيام" طه حسين، الاستثنائية، كان السبيل إليها كتاب الوزارة المقرر على التعليم الثانوي آنذاك. لاحقا اقتنيت نسخة دار المعارف الشهيرة، ومعها أغلب ما كتبه ذلك المعلم القدير، لكني سأظل ممتنا بمعرفتي بعبقرية الرجل لوزارة التعليم. أما اليوم فلا أشعر إلا بالغبن، وبألم حارق في موضع الروح كما أتصوره، إذ قرأت خبر منع "الأيام" من مناهج القراءة في وزارة التعليم المصرية. وشعرت بأنها محاولة لطمس مرحلة من أكثر مراحل حياتي انتشاء بالمعرفة، ومحو جزء أساسيا من ذاكرة الثقافة المصرية، وإغفال القوة الباطنية العميقة للبصيرة لصالح عمى البصر والعقل معا.
هل يمكن أن يؤدي طمس الأيام إلى إخفاء النقد الذي وجهه كاتبها لمؤسسات التعليم المتحذلقة التي اعتمدت التلقين أساسا لنظامها التعليمي على حساب سبل التعليم الحر المتفتح؟ وهل يمكن أن يؤدي منع الكتاب إلى تغييب أحد أهم الأصوات العربية استنارة في مسيرة الثقافة العربية المعاصرة؟ وهل يمكن أن يذكر التاريخ اسم صاحب القرار(قرار المنع) ويفتح له أبواب التألق كما فعل لكاتب الأيام؟ أم أن مثله، شأن كل حارقي الكتب، مصيرهم، ليس إلا في هاوية جب النفي، مصيرا عادلا من أصل ما انتواه بنفي المعرفة ووأدها؟
ما يدهشني أنني إذ أدين لهذا الكتاب وكاتبه بما أدين، لا أستطيع أن أغفل أن قراءتي الأولى له مر عليها الآن ما يربو على ربع قرن، واليوم، في ذروة الاحتفاء بوسائل الاتصال الحديثة وشبكة الانترنت التي لا يفوتها شاردة ولا واردة يأتي من يمنع علامة من علامات الثقافة والإبداع المصري الحديث عن جيل يعرف بأنه جيل الألفية الجديدة الذي نتوقع منه كل ما لم نستطع وسابقينا أن نحققه.
لكني، ومع ذلك، وكلما سمعت خبر منع أو مصادرة، لا أتحسس سلاحي، وإنما أبتسم، شفقة، وربما أضحك بهيستيريا، إذ أن المانعين، والمصادرين يبدون مثل كائنات لا تعرف كيف تمتنع عن إعادة ارتكاب أخطائها، وتكرارها، لأن التاريخ لم يتحيز أبدا لهم ولأمثالهم، فهؤلاء مكانهم ليس إلا في قرار الظلمة المكين، ولا يبقى سوى نور المعرفة. أبتسم، وأنا أصغي من بعيد لضحكة العميد، مجلجلة، تشاركني الرثاء:رثاء"هذه" الأيام، التي ننتظر،أو لعلني وحدي الذي أنتظر، أن تستعيد مجد "تلك" الأيام!
إبراهيم فرغلي

الإنترنت .. فضاء ضد الرقابة



الإنترنت..فضاء ضد الرقابة

عندما نتأمل فكرة الرقابة بنظرة موضوعية محايدة سنجدها، على ما فيها من سلطوية، تدعو للشفقة، وللرثاء، أكثر من التعاطف. فالممنوع يمنع بواسطة قوة بشرية أخرى، ليس لها أي قداسة، لكنها تستعير القداسة من قوى أخرى، ليس من المفترض أنها تمتلكها من الأساس. ومن وجهة نظر البعض قد يكون الممنوع متعارضا مع قناعات الأغلبية، أو مغلوطا، أو مستهينا بيقينياتهم، لكن الحقيقة أنه من حق هذه الأغلبية أن تعرف، وتقررأن تعارض ما يختلف مع يقينها بنفسها، لأن هذا هو أحد الركائز التي تأسس عليها جوهر المعرفة الحرة، وجوهر الدين أيضا.
ومن المفارقات الجديرة بالانتباه، أنه في حين أن كتابا مثل "آيات شيطانية" قد تم منعه لأسباب دينية، ولسنوات طويلة ظلت كتابات الكاتب الأمريكي هنري ميللر، ممنوعة في الولايات المتحدة حتى الستينات بدعوى الإباحية، فإن القرآن الكريم نفسه، والكتاب المقدس اعتبرا ممنوعين في الإتحاد السوفييتي خلال فترة المد الشيوعي، كما تمنع كتب الشيعة في الدول اللإسلامية السنية والعكس.وهو ما يعطي فكرة عن مدى نسبية فكرة المنع وتناقضاتها وفقا لمعتقدات كل مجتمع

.
المجتمعات المتقدمة اكتشفت أن العقل البشري لا يجب أن يستخف به أحد، وأن التفكير والنقاش هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة أية أفكار أو معتقدات خاطئة، وأصبحت شبكة الإنترنت نموذجا حيا وواقعيا على هذه الفرضية، نموذجا عنوانه هو" ضد الرقابة" أو ضد المنع، فالفضاء في هذه الشبكة، رغم بعض محاولات المنع والتقييد، يظل فضاء متخما بكل المعارف، وبينها ما اعتبر ممنوعا في هذه الثقافة أو تلك، بلا رقيب، أو سلطة للمنع. فضاء يقدم فيضا من المعلومة والرأي والنصوص والتقارير والنصوص المقدسة والأخبار الدعائية واليوميات والخواطر والصور الفنية والجنسية الإباحية على السواء. يختار منها المتلقي ما يشاء ويرفض ما يشاء.
ولعل هذا ما يمكن ملاحظته في مجتمع المدونات، والعربية منها على نحو خاص. فبينما يختار بعض المدونين موضوعات إشكالية مثل المثلية الجنسية، أو تحرر المرأة، أو غيرها من الموضوعات الشائكة، فتثور عاصفة من التعليقات المعترضة، والمؤيدة، يملك كل منهم حججه، وأسبابه، وتبريراته، وفقا لثقافته والتربية الذهنية التي تربى عليها، والتي تتضح مدى سموها من مستوى الحوار وامتلاك الحجة، أو مدى تدنيها إذا لم يكن المحاور يمتلك سوى السباب والتهديد بسلطة دينية وبعقاب سماوي لم يمنحه إياه أحد.
على شبكة الإنترنت تنتشر العديد من المواقع الإلكترونية التي تهتم ببث كل ما له علاقة بالنصوص والأفكار الممنوعة، سواء كانت كتبا إبداعية، أو أفكارا أخلاقية، أو شعوذات، وتعاليم روحية، وغيرها. وتتراوح اهتمامات هذه المواقع بين نشر التقارير المهتمة بوقائع المصادرة وظروفها التاريخية، وظروف تأليف تلك النصوص، وصولا لظروف إتاحة هذه النصوص ونشرها. وهناك مواقع مختصة بنشر النصوص الممنوعة فقط، أو ترجمتها للغات أخرى.
على سبيل المثال فإن موقع الكتب الإلكترونية onlinebooks.com ، يضم عددا من التقارير المهمة عن تاريخ الكتب الممنوعة، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، ويضم قائمة مطولة عن الكتب التي صودرت أو تعرضت للمنع، لسبب أو لآخر، سواء لجمهور القراء العام، او لطلبة المدارس، ومن هذه الكتب، على سبيل المثال لا الحصر: الاعترافات لجان جاك روسو، عوليس للكاتب الإيرلندي جيمس جويس، عشيق الليدي تشاترلي لد.ه. لورانس، الدولة والثورة للينين، وحتى بعض أعمال شكسبير التي كانت قد منعت في بعض المدارس الأمريكية في القرن قبل الماضي مثل هاملت وماكبث والملك لير، وكتاب "أصل الأنواع" لداروين، وغيرها وغيرها.
ويقدم الموقع وصلات تتيح قراءة النسخة الإلكترونية من هذه النصوص، أو على الأقل بعض فصولها، كما يقدم عددا من المواقع التي تهتم بالكتب الممنوعة في عدد من الثقافات المختلفة.
من المواقع المهتمة بالموضوع أيضا الموسوعة الإلكترونية "ويكيبديا" التي يوجد تحت تصنيف كتب ممنوعة تعريفا دقيقا بفكرة المصادرة، ملحق به إشارات لعدد من المصادرات، وبينها قائمة الكتب الممنوعة التي أقرتها الكنيسة الأرثوذكسية منذ العصور الوسطى وحتى منتصف القرن الماضي. كمت يضم التقرير جدولا تفصيليا يضم أسماء الكتب التي تعرضت للمصادرة في الولايات المتحدة، وغيرها من دول العالم، وأسماء المؤلفين، وأسباب المنع، ومنها مثلا كتاب"أمريكا" لجون ستيوارت، عصر العقل لتوماس باين، الهروب من قلب الهجوم، لإريك ماريا ريمارك والذي منع من قبل السلطة النازية لأنه كان يعارض الحرب، اللوتس الزرقاء لهورجيه ومنع في الصين، ألف ليلة وليلة، الذي منع في أغلب الدول الإسلامية، الصياد في حقل الشوفان لسلينجر، البيان الشيوعي لكارل ماركس وفريدريك أنجلز، لمن تقرع الأجراس من تأليف هيمجواي، ومنع في أسبانيا إبان حكم الديكتاتور فرانكو، وغيرها وغيرها وصولا لأحدث ما تم منعه مثل "شفرة دافنشي" لدان براون. بالإضافة إلى مئات المواقع المهتمة بالموضوع، والتي توضح أن فكرة المنع والرقابة والمصادرة هي فكرة ضد واقع ومنطق حرية تدفق المعلومات والأفكار الذي تتيحه الشبكة، وضد منطق التطور الذي يعلي من حقوق حرية المعرفة خاصة في عصر يعرف بأنه عصر ثورة التقنيات الحديثة والاتصالات.

Sunday, July 15, 2007

فضائل العامية

مؤامرة على اللغة


لا أستطيع أن أفهم ظاهرة شيوع العامية في كتابة المدونات، تماما كما لا أفهمها، ولا أستسيغها، على أي نحو في الصحافة، وفي ظني أنها ظاهرة تصل حد الابتذال، خاصة إذا سمعت نشرة إخبارية مصورة على شاشة إحدى القنوات وهي تقرأ بالعامية.
عندما سؤل عميد الأدب العربي في أخريات أيامه عن الأجيال الجديدة، كان يرى أنها لن تصل إلى شيء طالما أنها تستخدم العامية.وأظن الرجل كان بعيد النظر، قادرا على رؤية ما لم نكن نستطع أن نراه آنذاك ببصرنا بينما كشفته بصيرته.
هل تتنافى اللغة العربية، بكل إمكانياتها وجمالياتها مع التعبير عن مشاعر الشباب، وهل يظن البعض منهم أن ما يشعر به، يستعصي على هذه اللغة المطواعة الآسرة ببلاغتها؟ وهل يعتقد القائمون على صحيفة مثل الدستور القاهرية، أن اللغة الفصحى ستصرف عنها القراء؟
وهم كبير، لأن القاريء الذي لا يحتمل قراءة الفصحى، لن يقرأ شيئا، حتى لو ذوبت له الكلمات في مشروبه المفضل، وكذلك الأمر، بالنسبة لمشاهد التليفزيون الذي يتصور البعض أنه يعجز عن متابعة الأخبار بالفصحى، فمثل ذلك المتلقي لن يسعى من الأساس لكي يشاهد نشرة الأخبار، ولو بثت له خصيصا.
المشكلة أن هذه الظاهرة لا تقتصر على المدونين المصريين دون غيرهم، وإنما تمتد لعدد كبير آخرمن المدونين، خاصة لبنان، وكذلك بعض المدونين من دول الخليج العربي، وكأن التدوين صنو نفي اللغة وابتذالها، أو أن العامية تكسبه صبغة خاصة تميزه عن الوسائط المقروءة الأخرى. وهي في الحقيقة لا تعكس سوى جهلا باللغة.

أما الجريمة الحقيقية التي ترتكب في حق اللغة ومهنة الصحافة، هي أن جيلا من ضعاف اللغة ينشأ على الكتابة بالعامية، فلا يستطيع الكتابة بغيرها، ويعجز عن إدراك جمالياتها، ولعله أيضا، وفي وقت لاحق سيعجز عن القراءة بغير اللغة السطحية المبتذلة التي تعلمها على يد من يفترض أنهم رواد المجال.
أذكر مقولة لصديقي الكاتب إبراهيم عيسى كان يؤكد فيها أن الشعر الحديث الغامض مؤامرة للإنهاء على مجد الشعر، وأنا أظن أن اللغة التي تقدمها الكثير من الصحف المستقلة الآن(ركاكة لغة الصحف القومية ليست استثناء) هي مؤامرة على اللغة العربية، وعلى مستقبل الصحافة التي سيصل يوما لمراكز قيادتها بعض الصحافيين الذين نشأوا معوجين، لغة وأسلوبا، دون أن يدركوا مأساتهم، بل ولعلهم سيقودون جيلا تاليا عليهم على نفس اللغة الركيكة التي اعتادوها وعندها لن نملك أن نقول إلا على اللغة والصحافة والقراءة السلام.

الأكثر مبيعا



مدونات "الأكثر مبيعا"

تحظى الروايات بشعبية جارفة في الغرب، خصوصا في الولايات المتحدة التي تتمتع الروايات البوليسية وروايات الجريمة فيها بشعبية جارفة، حيث توزع الكتب بملايين النسخ. وهناك كُتّاب مثل ستيفن كينج تتصدر كتبهم قوائم الأكثر مبيعا على مدار العام، والقائمة تضم عددا من الكتاب الذين يعدون من أصحاب الملايين بسبب مبيعات كتبهم.
في المقابل هناك كتاب لهم شعبية مماثلة يكتبون أدبا، له بعض سمات أدب الجريمة، لكنه يميل للتخييل والحبكة الدرامية أكثر، ونموذجه مثلا الكاتب الأمريكي دان براون صاحب الرواية الشهيرة "شفرة دافنشي" التي فاقت مبيعاتها 50 مليون نسخة، لكن أغلب أعماله موجهة لجمهور القراء العوام وخاصة الشباب والمراهقين، خاصة أعماله التي عرف بها مثل: الحصن الرقمي، ملائكة وشياطين، وغيرها، والتي جسدت نموذج المسلسلات الدرامية المشوقة. لكنه بذل جهدا بحثيا كبيرا في شفرة دافنشي، واختار موضوعا مثيرا، كان له الدور الأكبر في الدعاية لهذه الرواية.
ظاهرة الكتب الأكثر مبيعا ارتبطت دائما بأنها كتب تسلية، تتسم بلغة بسيطة، غير مركبة، تعتمد على التشويق، وعلى عدد من الشخصيات الذين تتعقد حياتهم في سلسلة متشابكة من الأحداث.
هذه الروايات أقرب لأن تكون روايات تجارية تشبه المسلسلات الدرامية وأفلام الحركة، لكن هناك روايات أخرى تحظى بنفس الشعبية، لكنها تتوسل عوالم أخرى، مثل الأجواء الصوفية، أو عوالم الجبال والخلاء والبحث الروحي عن معنى الحياة والموت، والقدرية، وهذه أقرب ما يجسدها نماذج ما يكتبه الكاتب البرازيلي باولو كويلهو، في روايات مثل ساحر الصحراء، وبالقرب من نهر بيدرا جلست وبكيت، وفرونيكا تقرر أن تموت، وغيرها.
عادة ما تكون للدعاية دور كبير في تأكيد شعبية وجماهيرية مثل هذه الأعمال الأدبية، سواء عبر أقسام الترويج الخاصة بدور النشر، أو حتى بواسطة الكاتب نفسه مستخدما الوسائل الإعلامية، أو حتى موقعه الشخصي على شبكة الإنترنت.

أما على مستوى النقد، الصحفي أو الأكاديمي، فإن النقاد سرعان ما يميزون بين الأدب الحقيقي، وأدب الإثارة المشوق الذي لا يتضمن أية قيم أدبية رفيعة، ولهذا فمثل هؤلاء الكتاب لا يرشحون لجوائز أدبية رفيعة، كما أن قوائم الترشيح لجائزة نوبل تخلو من أسمائهم، لأنها تعتمد، أولا وأخيرا- رغم كل ما يشاع عن تسييسها والمرشحين لها- على القيمة الأدبية ومهارات اللغة والتجديد.
يحظى كوليو بشعبية جارفة، أسستها كتيبة من الدعاية والتسويق استخدمت أرقام التوزيع، وعدد الترجمات، وهي التي قدم بها كويليو نفسه لجمهور القراء، وهي نفس الوسيلة التي تم بها تقديمه عندما بدأت ترجمته للعربية عبر رواية ساحر الصحراء، لكن بعد تعدد ترجمة أعماله تبين أن أعمال كويليو مثلها مثل أغلب الأعمال الشعبية الخفيفة، تجتذب القاريء الباحث عن التشويق واللغة البسيطة . لكنه يدخل مناطق نفسية وروحية تعجب الكثيرين.

في المنطقة العربية انضم الكاتب علاء الأسواني إلى قوائم الكتاب الأكثر مبيعا عبر روايته الشهيرة عمارة يعقوبيان، وتلتها رواية شيكاغو. صحيح أن مبيعات كتبه لا تقارن بأي كاتب من الأكثر مبيعا في الغرب، لأنها في النهاية لا تزيد عن بضعة آلاف من النسخ (يقول علاء الأسواني في مدونته أنه باع 160 ألف نسخة في فرنسا)، لكنه يظل ظاهرة خاصة في مبيعات الكتاب العربي، بالرغم من كلاسيكية عمليه، وسماتهما التشويقية.
بتأمل المواقع الشخصي، أو المدونة، الخاصة بأي من كتاب الأكثر مبيعا أجد أن هناك سمة عامة مشتركة، وهي سمة الدعاية؛ التي تظهر، مثلا، في مدونة علاء الأسواني عبر الحوارات التي تمجد في عمله، والتي يحرص فيها جميعا أن يؤكد أرقاما للتوزيع(هذه الظاهرة لا يقوى عليها بين كتاب العالم سوى الأسواني وباولو كويليو، فغيرهما من الكتاب يتركون شؤون التسويق لدور النشر)، ولا تجد مناقشة لظاهرة أدبية، أو قيم أدبية من أي نوع، وبالتأكيد أيضا لا تضم المدونة أي قراءة نقدية قد يلوح بها أي نقد موضوعي يضم الإيجابيات والسلبيات معالأعماله.
ستجد أيضا أن موقع باولو كويليو يحرص على جانب الاتصال الشخصي بين الكاتب والجمهور، عبر مواد للمناقشة، والإجابة عن تساؤلاتهم، وتأكيد طابع العالمية من حيث وجود أكثر من لغة يمكن بها قراءة مواد الموقع الشخصي لكويليو.
الميزة الأساسية لكتاب الأكثر مبيعا في الغرب أنهم لا يدعون شيئا، فكل كاتب منهم يعرف حدود موهبته، والجمهور الذي يريد اجتذابه، ولا يمكن لكاتب مثل دان براون أن يقارن نفسه بكاتب مثل فيليب روث، أو بول أوستر مثلا، كما لا يمكن لأي ناقد أن يتعامل مع أعمال باولو كويليو بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع أعمال ماركيز، أو بورخيس، أو يوسا. أما في المنطقة العربية فلا يوجد نقد، ولا حركة ثقافية صحية من أي نوع، ولا يبقى لدينا سوى الزمن الذي لا يرحم أحدا، ولا يبقي في ذاكرته إلا من يستحق. فالأسماء، تذهب، ولا يبقى سوى الأدب.
www.danbroen.com
www.paulocoelho.com

alaaalaswany.maktoobblog.com

Saturday, July 7, 2007

وسائط مصـــورة







فضاءات

وسائط الصورة

بين ما يبثه الموقع الإلكتروني لمعرض فرانكفورت للكتاب زاوية القصة المصورة الساخرة في ثلاثة كادرات، وكلها تقدم أفكارا تتعلق بالكتاب، وتسخر من عدم الإقبال على القراءة. ولو أنني دخلت هذا الموقع بالصدفة لظننته موقعا يخص جهة تابعة للثقافة العربية، فلا أعرف ثقافة أقل إقبالا على القراءة بالشكل الذي تشير له هذه الرسوم خفيفة الظل سوى الثقافة العربية، والإحصاءات والمؤشرات متاحة لمن يشاء.
من بين مجموعة الرسوم توجد واحدة يقف فيها الأب وهو يمسك بكتاب في إحدى يديه بينما الإبن يجلس أمام الكومبيوتر وهو مستغرق تماما. في الكادر الثاني يلتفت الابن للأب ويسأله عما يمسكه في يده، فيخبره والده بأن اسم هذا الشيء هو "كتاب"، وبينما يعود الصبي ليواصل ما كان يشغله سأل والده باستخفاف: وكم تصل سعته بالكيلو بايت؟
هذه صورة غربية أكثر من كونها عربية، ومع ذلك، فهي أقرب ما تكون إلى صورة عالمية يتوقع أن تقترب من الواقع بعد عشرين أو ثلاثين عاما، أو أكثر، أو أقل.
لكن إذا كان هذا ما يخشاه الغرب، رغم الارتباط الوثيق بالكتاب ممثلا في السلوكيات، ومبيعات الكتب بملايين النسخ، فما بالك بموقفنا نحن، إذا التفت الجيل الجديد للكمبيوتر دون أن يمر على مرحلة الكتاب. أي دون أن تنشأ العلاقة الطبيعية بين هذا الجيل والكتاب، وهي من الأصل علاقة تعاني عورا واختلالا لا نظير له.
لكني انتبهت أن القائمين على الكتاب في الغرب توسلوا القصص المصورة للفت الانتباه لظاهرة الإقبال على الحواسب الآلية مقابل الكتاب، وأظنها فكرة تناسبنا أكثر.
فالمجتمعات العربية بذهنيتها الاستهلاكية تلفتها الصورة أكثر من اللغة المكتوبة، مع الأسف، وتقبل على البسيط الخفيف أكثر بكثير من إقبالها على كل ما قد يتسم بالجدية واعتباره معقدا، ولهذا تصلح القصص المصورة أن تكون وسيطا جذابا يكون بمثابة الطُعم الذي يمكن أن يستدرج شباب وشابات لم يعتادوا القراءة إلى هذا المجال، كخطوة أولى.
ودليلي على ذلك أحد المدونين العرب نشر في مدونتهعدة لقطات فيديومصورة لهيفاء وهبي خلال حادث التصادم الذي وقع لها مؤخرا، والنتيجة أن معدل زيارة القراء للموقع ارتفعت من 50 زائر يوميا، إلى 1500 زائرا! وهو ما جعله يشكر هيفاء وهبي بشدة، وهذا ألهمني أن فكرة القصص المصورة لو بدأت بقصة عن هيفاء وهبي مدحا أو نقدا لدخلت في منافسة شرسة مع كتب الموضة الأكثر مبيعا، ولا أظن أن في ذلك ما يعيب طالما النتيجة النهائية في صالح القراءة والكتاب!

مدونات الروايات المصورة






مدونات الروايات المصورة

تحتل الروايات المصورة مساحة لا بأس بها في فضاء المدونات الأجنبية، لتعكس الاهتمام الجماهيري الواسع بهذا النوع من الفنون والذي تفيض به المكتبات الخاصة للأفراد في منازلهم، والمكتبات العامة ومكتبات البيع العديدة الموجودة في كل شارع أو حي في أوروبا بشكل عام.
وعلى عكس ما يشيع في ثقافتنا، فإن هذا النوع من الفنون ليس موجها للصغار فقط، أو للشباب كما هو شائع في المنطقة العربية، وإنما موجه للكبار، ويحظى بجماهيرية كبيرة، وهو مثل الروايات في الغرب تتعدد أنواعه بشكل لا يصدق بين القصص العاطفية، إلى المغامرات التاريخية، ومنها إلى القصص البوليسية والخيالية، أو قصص الرعب، وصولا حتى للقصص ذات الطابع الإيروتيكي والجنسي وغيرها.
وهناك دور نشر متخصصة فقط في هذا النوع من الكتب، وتعتمد على كتائب من الفنانين رفيعي المستوى في الرسم والتأليف على السواء.
وهذه الكتب لا تنفي وجود الرواية وجماههيريتها، بقدر ما تشير إلى تنوع الإنتاج الثقافي والفني لأن المجتمعات الغربية تلتهم هذه المنتجات بكل أشكلها قراءة ونقدا وتحليلا، واستمتاعا أولا وأخيرا.
ولهذا تعرف باسم الروايات المصورة تمييزا لها عن كتب الرسوم الكارتونية، أو الكومكس، وهذه أيضا قصة أخرى، وتصنيف من تصنيفات القصص المصورة تختلف فئات القراء العمرية التي تقبل عليها لأن هناك ما هو بسيط ومشوق، وبعضها قصصا أكثر جدية.
السؤال هو لماذا لا تنتشر مثل هذه الكتب لدينا في الثقافة العربية؟ والإجابة هي أنها ما زالت مرتبطة في الأذهان بكونها كتبا موجهة للأطفال، من جهة أخرى هي صناعة ضخمة تكلفتها كبيرة جدا، وتحتاج إلى عدد من الرسامين المحترفين، والموهوبين في التأليف، كما تحتاج إلى توافر ورش فنية يوجد بها محترفون في الجرافيك وفي التحبير والتلوين، لأن النظام المعمول به في أوروبا والقائم على التخصص، هو قيام كل شخص بالتخصص الذي يتقنه، فالرسام يبدأ برسم الكادرات، وتنتقل الكادرات لشخص آخر مهمته التحبير، ثم ثالث يقوم بالتلوين، وآخر يضع الكلام الخاص بكل كادر في الكادر المحدد، وهكذا.
ومع ذلك فلو تأسس هذا الفن فإنه سيجد إقبالا شديدا من الشباب من خريجي كليات الفنون، ومن الكتاب على السواء، ربما نحن فقط نحتاج للخطوة الأولى، والتي يمكن أن تبدأ من دور النشر المهتمة، والمحترفة في صناعة كتب الأطفال، لأنها تمتلك الحد المناسب الذي يمكنها من دخول مثل هذه التجربة.
ولمن يرغب في الاطلاع على المدونات المهتمة بهذه الفنون سنوفر بعض عناوين المواقع في نهاية الموضوع، لكنني فقط سأوجز الإشارة إلى نموذج من هذه الكتب على سبيل المثال وهو كتاب إبنة البروفيسير، أو
The Professor’s Daughter
وهو رواية للفنانين الفرنسيين جوان سفار، و إيمانويل جيبرت، نشرت بالفرنسية لأول مرة عام 1997، وترجمت أخيرا للإنجليزية. وتدور وقائعها في لندن حيث يعيش عالم مصريات بريطاني وابنته ليليان باول، ويتعامل الرجل مع بعض المومياوات المصرية التي يحتفظ بها في مكان مخصص للفحص في منزله، وبينها مومياء أمنحتب الرابع الذي يقع في غرام ابنة العالم البريطاني، ويقنعها بالعودة معه إلى مصر، وعندما تختفي الفتاة تصبح مومياء أمنحتب الرابع، التي اختفت أيضا، مطلوبة من قبل رجال الشرطة البريطانية. لكن يتضح لاحقا أن الفتاة اختطفت من قبل مومياء قرصان بحري يهرب بالفتاة إلى البحر، وعندما يكتشف أمنحتب ذلك يختفي بينما شرطة سكوتلاند يارد تحيط بالمدينة كلها وتعتقل أي مومياء يشكون في أمرها. ثم يكتشف أمنحتب أن القرصان الذي اختطف ليليان هو ليس سوى والده أمنحتب الثالث، لكن أمنحتب الثالث عندما يتعرف على ابنه يوضح له أن الفتاة مختطفة كرهينة حتى يستطيع أن يستعيد مومياء زوجته الملكة من العالم البريطاني وتستمر الأحداث، في متوالية من المغامرات التي يختلط فيها الواقع بالخيال بشكل جذاب.
وفي موقع أمازون الشهير لبيع الكتب إلكترونيا نشر هذا الحوار الذي أجراه الموقع نفسه مع الكاتب الفرنسي مؤلف "إبنة البروفيسير" وهو إيما نويل جيلبرت، الذي يشرح المزاج النفسي العام الذي سيطر عليه مع الرسام لإنتاج الكتاب، وأنه تأثر بالثقافة الإنجليزية، ولذلك وصف المواقع البريطانية بدقة، رغم أنه لم يزر بريطانيا إلا بعد الانتهاء من العمل، كما يوضح أنه عندما بدأ العمل مع صديقه الفنان سفار لم يكن أحد يعلم عنهما شيئا، والآن أصبحا مشهوران بشكل كبير في أرجاء أوروبا وأمريكا. كما يشير إلى أنه يستمتع بكتابة كلا النوعين الرواية التخيلية الأدبية، والمصورة على السواء، وأنه يستمتع تماما بمناخ العمل المصور، حيث يتم ذلك في ورشة عمل كبيرة تضم مجموعة من الموهوبين كل في مجاله.
ترى متى يمكن أن تأخذ الرواية العربية المصورة نفس القدر من الجدية، وكم يمكن أن تكون مثل هذه الأعمال سببا في انتشار القراءة أكثر واكثر في المجتمع العربي الذي يحتاج إلى أكثر من ثورة في مجال تشجيع القراءة.
مدونات مقترحة للاطلاع:
http://www.vitorianpeeper.blogspot.com/
yetanothercomicsblog.blogspot.com
comicstripblog.com
www.amazon.com/gp/blog

Wednesday, July 4, 2007

البريد على مرمى ضغطة إرسال




الأدب من البريد الجوي إلى الرسائل الإلكترونية

على مدى عقود احتلت الرسائل الشخصية للكتاب مكانة مهمة، واعتبرها الباحثون مادة جيدة للتعرف على الكثير من الجوانب الشخصية والفكرية للأدباء ورجال الفكر والأدب والسياسة، كما اعتبرها الجمهور مادة جيدة ترضي فضولهم الذاتي في تقصي الجوانب الشخصية والحياتية لشخصيات صوروا بوصفهم نجوما، تحيط بهم هالات التمجيد والإكبار، كأنهم بلا نوازع أو أهواء.
ولذلك فكثيرا ما كانت هذه الرسائل سببا لإثارة بعض الفضائح، أو شرارات تفجر الكثير من القنابل المدوية على صفحات الصحف، تكسر، في ساعات قليلة، أحجار مستقرة تراكمت ترسخ صورا محددة لكتاب ورجال سياسة، أو لفنانات ذائعات الصيت، أو فلاسفة.
ولعل كل ذلك يعود أولا لأهمية الرسائل كوسيلة أساسية للتواصل بين الجمهور بشكل عام، سواء في المخاطبات الرسمية والعملية، أو في المكاتبات الشخصية، بين الأصدقاء، أو أفراد العائلة، أو بين العشاق.
ومكاتبات العشاق ورسائلهم، على نحو خاص، كان لها الكثير من البريق الذي أثار الاهتمام، ومنها مثلا الكتاب الذي نشرته الكاتبة السورية غادة السمان حول علاقتها بالكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني بعنوان"رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان" والتي أثارت ردود فعل واسعة حال صدوره وأتبعته هي بكتاب آخر حول ردود الفعل هذه بعنوان "محاكمة حب" نهاية عام 2004. وأهدته إلى" إلى عشاق الشعب على الغبار والشخير التاريخي، الذين تعبوا من المنظرين للرياء والدجل واستغباء الناس وقمعهم وتخويفهم وإرغامهم على القيام بدور الرقيب الذاتي.
إلى الذين يحلمون بمستقبل حي متطور عصري لأدبنا العربي، ولا يفتقرون إلى الرؤيا والطموح لمشروع بأفق شاسع، وإلى الذين يجدون أن الفضيحة تكمن في إحراق أوراق المبدعين لا في نشرها:
ويرفضون أن تتم «قولبة» سيرة المبدعين على مقاس مصالح بعض معاصرتهم.. وإحراق ما تبقى، وإلى عشاق أدب السيرة الحقيقي لا المزور، وإلى الحالمين بمؤسسة عربية تحتضن هذا الفن خاصة وفي السيرة العربية عامة".
وهناك الكثير من الرسائل العربية التي أثارت صخبا منها أيضا أوراق عميد الأدب العربي طه حسين التي نشرها الأكاديمي عبد الحميد إبراهيم. وكشف فيها عن موقف عدائي واضح تجاه صاحب الرسائل، من خلاله تأكيده لذلك واتهامه بأن الدور الذي لعبه في الثقافة المصرية يماثل دور كمال أتاتورك في تركيا.
وهناك أمثلة أخرى كثيرة. لكنها لا تقارن بالنماذج المثيلة في الغرب التي تهتم فيها الدوائر الإعلامية كثيرا بمثل هذا النوع من الكتب التي قد تأخذ شكلا فضائحيا مبالغا فيه مثل ما فعلته إحدى الكاتبات الفرنسيات قبل عدة أعوام بنشر الرسائل ووصف العلاقة العاطفية والحسية مع زوجها. كما نشر كتاب آخر يتضمن خطابات الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار إلى عشيق لها، رغم علاقتها بالكاتب الفرنسي جان بول سارتر، وهو ما أعاد للأذهان حقبة الستينات الأوروبية بكل ما مرت به من دعاوي التحرر، ونقد البورجوازية بما فيها استبدال العلاقات الحرة بمؤسسة الزواج التقليدية.
كما نشرت زوجة الشاعر البريطاني الأشهر ت.إس إليوت رسائله في كتاب، لكنه، في تلك المرة، اعتبر استعادة لسمعة الرجل، وردا على بعض انتقادات وجهت إليه حتى أن ملحق صحيفة الجارديان نشر تقريرا عن الكتاب مسبوقا بسؤال هو: هل أساءت فاليري إيليوت، أرملة الشاعر ت.س. إيليوت، إلى سمعة زوجها بتأخيرها نشر رسائله رغم تفانيها في المحافظة على هذا الكنز الأدبي؟
وتساءلت كاتبة المقال والتي عهدت لها زوجة إليوت بمهمة تصنيف وتجهيز الخطابات للنشر: هل يمكن تحقيق إرادة رجل وضع شرطاً رئيساً لمنفذي وصيته الأدبية يتلخص في الامتناع عن نشر سيرته ورسائله الموجهة لزوجته فوق صفحات الجرائد والمجلات؟! كانت «فاليري» قد وظفت عدداً من المحررين والمدققين اللغويين السابقين قبل أن تطلب مني شغل هذا المنصب والاهتمام برسائل زوجها الشاعر المتوج «توم ماس سترينز إيليوت»..


لكنني كنت أنا الوحيدة التي شاهدت رسائل ت.س إيليوت وساهمت في نشرها في الجرائد المتخصصة.. رغم حجم مراسلاته إلا أن تو لم ينشر سوى عدة رسائل أثناء حياته... وكان قد وضع مخططاً لطباعتها في كتاب. لم أعد في حيرة من أمري رغم معاناتي من قلة الصبر لأن رسائل الكتاب الثاني كانت الأكثر تأثيراً من بين المئات التي عملت على تدقيق صحتها وتوثيقها.. إنها بيان لانهيار زواج إيليوت الأول، وما رافقه من يأس شخصين غير قادرين على تحاشي تحطيم بعضهما الآخر. ليس لدينا فقط رسائل إيليوت بل العشرات من رسائل كتبتها فيفيان هاي وود إيليوت، زوجة إيليوت الأولى، فيف الهيستيرية في مسرحية «توم وفيف» ل ميشيل هاستينغ. كتاب ثانٍ من الرسائل سيكشف حقيقة ما حدث بينهما وأنا متأكدة أنه سيخلق تعاطفاً مع «إيليوت».


كان إيليوت يغار على خصوصيته بشكل كبير لكن حياته الشخصية كانت معقدة ومضطربة مما أثار اهتمام الناس بشكل طبيعي. لوبقي متزوجاً نصف قرن من زوجة مخلصة مثل «فاليري»لما لفت هذا الأمر الأنظار.. لكن بعد 40 سنة من وفاته، هاهي أرملته تدافع عن سمعته كما كانت خلال زواجهما الذي استمر ثماني سنوات حافظت عليه من دخان وضباب لندن ومن مراسلين حجزوا مقاعد خلف العروسين خلال رحلة شهر العسل إلى الباهاما. تستمر اليوم «فاليري» في حماية رسائله وتحول دون وصول أوراقه إلى الجامعات وترفض اقتباس أعماله".
و


في الأدب أيضا كانت صيغة الرسائل أحد الوسائل التقنية التي استخدمها بعض الكتاب في كتابة بعض الأعمال الروائية، وأحيانا بتضمين نماذج لرسائل، حقيقية أو متخيلة داخل متن العمل الأدبي ذاته. وفي الأدب العربي أيضا كانت هناك الكثير من نماذج الرسائل داخل النص كما فعل يحي حقي في"البوسطجي" مثلا، وكذلك في بعض أعمال إحسان عبد القدوس، ويوسف إدريس الذي كتب نصا عصيا على التصنيف هو "الإرادة" ضمنه بعض أشكال الكتابة المستخدمة في الرسائل، كما كتب الكاتب إدوار الخراط نصا بعنوان "رسائل لن تصل" اتكأ فيها على صيغة الرسالة الموجهة من عاشق لعشيقته، ومن جيل التسعينات نشر الكاتب مصطفى ذكري نصا بعنوان "الرسائل" اعتمد فيه أيضا على نفس التيمة، وإن بشكل أكثر تعقيدا، وتركيبا.
وهكذا يظل السؤال مفتوحا، هل سينتهي عصر الرسائل في المستقبل، أم أن الأدب سيحافظ على مجد الرسائل ويستعيد هيبتها؟


مقتطف من" الرسائل" لمصطفى ذكري



كلما مر الوقت تأكد لي ضياع الخطاب المُرسل لكِ بتاريخ 12/ 5/2004. أي منذ أكثر من شهر. هذا الضياع فيه ضياع آخر على طريقة كل شيء يعني، كل شيء يقول. وإليكِ قصة هذا الخطاب. كتبته على أثر حلم غامض كنتِ فيه مع شخص مُنفِّر نسيتُ اسمه الآن. وكان اسمه حاضراً في الحلم والخطاب كقدر مشؤوم بيننا. قمتِ بتسليم الشخص المجهول كل الرسائل التي كتبتها لكِ. كان هذا التسليم يشبه انتحاراً بارداً من قِبَلكِ. وكنتُ أنا بالمقابل قد قمتُ بإطلاع الشخص المجهول نفسه على سر جارح عنكِ. أذكر جيداً أن هذا الانتحار لم يكن من قِبَلكِ وقِبَلي كفعل ورد فعل، لم يكن انتقاماً على أثر شيء حدث بيننا، لم يكن مُتعاقباً في الزمن على اعتبار أن نصفه حدث في زمن الحلم والنصف الآخر خارج زمن الحلم، ولم يكن أخيراً الشخص المجهول يملك سُلطة علينا إلا إذا كانت شراهته للطعام هي الرمز الأكثر غموضاً للسُلطة.كان هذا الانتحار بكلمات أخرى قَدَم يأس. ذهبتُ إلى مكتب البريد في الصباح، فوجدتُ أعمال ترميم قائمة في المكان كله. ارتبكتُ أيما ارتباك، وكأنَّ مكتب البريد اختفى فجأة. شعرتُ بيأس طاغ، وزاغتْ نظرتي هائمة على خراب المكان. كانت الأماكن دائماً عندما تتعرض لترميم تصيبني بكآبة ويُتْمٍ موجع. لاحظ أحد العُمَّال نظرتي التائهة، فأشار لي ببساطة إلى خلفية المبنى. سألتُ نفسي كيف سيعود المكان كما كان عليه- بل أفضل- بعد شهور قليلة. في الطابق الثاني من خلفية المبنى كانت نظرة الضياع واليُتْم ما زالت عالقة بي. كنتُ خَجِلاً منها، فهي تجعل الجميع يقدمون لي الخَدَمَات بشكل استثنائي، وكأنني طفل فَقَد أمه. شرحتْ لي الموظفة بتفصيل شديد طريقة الوصول للمكانين المؤقتين لبعث الرسائل، ولم يكن أحد المكانين سوى كُشك سجائر صغير أمامه صندوق بريد مِهَكَّع مِدغْدغ. أهذا الصندوق جدير بأن يكون إحدى حلقات الوصل؟ شعرتُ باليأس مرة ثانية، وطلبتُ من الرجل العجوز صاحب الكُشك لصق طابع البريد على الخطاب وعيني تعود للصندوق. وضعتُ الخطاب بكل هواجس الضياع المُهْلِكة. كنتِ في تلك اللحظة قريبة منيِّ للحد الذي معه صعد الضيق إلى الحلق. في الحالات العادية أبقى يومين بعد كل رسالة أبعثها لكِ في رعاية كاملة لمسار الرسالة المُبهم، وليس هناك تناقض في حساب الوقت الموضوعي عندما أبعث إليكِ رسالة كل يومٍ، بل هناك مُضَاعَفة للوقت وتكْثِيرٌ لا سبيل إلى التعبير عنه، مع الرسالة الضائعة دامتْ مدة الرعاية للمسار أياماً لا عدد لها، وكان القياس الوحيد الدال على مرور الزمن محصوراً بين نقطتين رياضيتين والمسافة بينهما.

مجــــــــــــــد الرســـــــــــائل


مجد الرسائل!
هل يتسبب الإنترنت والبريد الإلكتروني في انتهاء عصر الرسائل والخطابات؟ هكذا سألت نفسي إثر وصول رسالة إلكترونية من صديق حول بعض المظاهر المعاصرة للحياة، ونمطها الشائع مثل الفزع الذي يصيبنا إذا نسينا هواتفنا المحمولة في المنزل. أو الوقت الذي نتصفح فيه الصحف على الحواسب الآلية وغيرها.
عدت بذاكرتي إلى الوقت الذي كان التواصل فيه يتم بين الأصدقاء بالمكاتبات الورقية، عبر خطابات ورسائل، باستخدام الورق وأقلام الحبر، إذ ذاك كان في الرسائل شيئا حميما وخاصا. تفيض الرسالة بالأشواق والعواطف القوية، ربما للإحساس الذي يتولد من التفكيرفي أن الرسالة موضوعة في مظروف أنيق، ستنتقل إلى صندوق البريد، ومنها إلى المطار لتنقل على طائرة، إلى بلد آخر، ثم تصل أخيرا إلى يد مستقبلها.
الآن، تصل الرسالة في ثوان معدودة مكتوبة ومنمقة بخط نمطي، ويمكن لقارئها أن يرسل رده أيضا في أقل من دقيقة. لذلك ربما فقدت الرسائل مهابتها وقيمتها العاطفية. أصبحت مستهلكة، لاهثة، عملية، مكررة، وغير مشحونة بأي عاطفة.
وربما أن الرسائل التي كانت موضوعا له أهميته فيما يتعلق بكونها تراث الكتاب الكبار، والذي تناولته الصحف والدراسات، سيكون مجالا مندثرا في المستقبل، لأن الرسائل، ستكون أغلبها محفوظة في البريد الإلكتروني، ولعل أحدا لن يستطيع أن يرى الرسائل أبدا حال وفاة الشخص.
وبالتالي فإن الكثير من الخصوصيات التي انتهكت، والمشاعر المسكوت عنها، والعلاقات السرية، والمفاجآت التي كانت الرسائل سببا في كشفها لن تتكرر في المستقبل، خاصة بعد ذيوع الكمبيوترات الشخصية في كل مكان.
ولعل هذا ما يدفع بعض الكتاب لتوسل الرسائل، مرة أخرى في الأدب، ليجعل منها موضوعا يستعيد به مهابة الرسائل، ومع ذلك، فمن يدري، فربما سيكون المستقبل ايضا قادرا على انتهاك خصوصية الرسائل الإلكترونية، والوصول للمسكوت عنه فيها، وعندها ربما تتفجر ظاهرة جديدة عنوانها الخطابات الإلكترونية تفضح الأسرار.