Thursday, July 19, 2007

الإنترنت .. فضاء ضد الرقابة



الإنترنت..فضاء ضد الرقابة

عندما نتأمل فكرة الرقابة بنظرة موضوعية محايدة سنجدها، على ما فيها من سلطوية، تدعو للشفقة، وللرثاء، أكثر من التعاطف. فالممنوع يمنع بواسطة قوة بشرية أخرى، ليس لها أي قداسة، لكنها تستعير القداسة من قوى أخرى، ليس من المفترض أنها تمتلكها من الأساس. ومن وجهة نظر البعض قد يكون الممنوع متعارضا مع قناعات الأغلبية، أو مغلوطا، أو مستهينا بيقينياتهم، لكن الحقيقة أنه من حق هذه الأغلبية أن تعرف، وتقررأن تعارض ما يختلف مع يقينها بنفسها، لأن هذا هو أحد الركائز التي تأسس عليها جوهر المعرفة الحرة، وجوهر الدين أيضا.
ومن المفارقات الجديرة بالانتباه، أنه في حين أن كتابا مثل "آيات شيطانية" قد تم منعه لأسباب دينية، ولسنوات طويلة ظلت كتابات الكاتب الأمريكي هنري ميللر، ممنوعة في الولايات المتحدة حتى الستينات بدعوى الإباحية، فإن القرآن الكريم نفسه، والكتاب المقدس اعتبرا ممنوعين في الإتحاد السوفييتي خلال فترة المد الشيوعي، كما تمنع كتب الشيعة في الدول اللإسلامية السنية والعكس.وهو ما يعطي فكرة عن مدى نسبية فكرة المنع وتناقضاتها وفقا لمعتقدات كل مجتمع

.
المجتمعات المتقدمة اكتشفت أن العقل البشري لا يجب أن يستخف به أحد، وأن التفكير والنقاش هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة أية أفكار أو معتقدات خاطئة، وأصبحت شبكة الإنترنت نموذجا حيا وواقعيا على هذه الفرضية، نموذجا عنوانه هو" ضد الرقابة" أو ضد المنع، فالفضاء في هذه الشبكة، رغم بعض محاولات المنع والتقييد، يظل فضاء متخما بكل المعارف، وبينها ما اعتبر ممنوعا في هذه الثقافة أو تلك، بلا رقيب، أو سلطة للمنع. فضاء يقدم فيضا من المعلومة والرأي والنصوص والتقارير والنصوص المقدسة والأخبار الدعائية واليوميات والخواطر والصور الفنية والجنسية الإباحية على السواء. يختار منها المتلقي ما يشاء ويرفض ما يشاء.
ولعل هذا ما يمكن ملاحظته في مجتمع المدونات، والعربية منها على نحو خاص. فبينما يختار بعض المدونين موضوعات إشكالية مثل المثلية الجنسية، أو تحرر المرأة، أو غيرها من الموضوعات الشائكة، فتثور عاصفة من التعليقات المعترضة، والمؤيدة، يملك كل منهم حججه، وأسبابه، وتبريراته، وفقا لثقافته والتربية الذهنية التي تربى عليها، والتي تتضح مدى سموها من مستوى الحوار وامتلاك الحجة، أو مدى تدنيها إذا لم يكن المحاور يمتلك سوى السباب والتهديد بسلطة دينية وبعقاب سماوي لم يمنحه إياه أحد.
على شبكة الإنترنت تنتشر العديد من المواقع الإلكترونية التي تهتم ببث كل ما له علاقة بالنصوص والأفكار الممنوعة، سواء كانت كتبا إبداعية، أو أفكارا أخلاقية، أو شعوذات، وتعاليم روحية، وغيرها. وتتراوح اهتمامات هذه المواقع بين نشر التقارير المهتمة بوقائع المصادرة وظروفها التاريخية، وظروف تأليف تلك النصوص، وصولا لظروف إتاحة هذه النصوص ونشرها. وهناك مواقع مختصة بنشر النصوص الممنوعة فقط، أو ترجمتها للغات أخرى.
على سبيل المثال فإن موقع الكتب الإلكترونية onlinebooks.com ، يضم عددا من التقارير المهمة عن تاريخ الكتب الممنوعة، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، ويضم قائمة مطولة عن الكتب التي صودرت أو تعرضت للمنع، لسبب أو لآخر، سواء لجمهور القراء العام، او لطلبة المدارس، ومن هذه الكتب، على سبيل المثال لا الحصر: الاعترافات لجان جاك روسو، عوليس للكاتب الإيرلندي جيمس جويس، عشيق الليدي تشاترلي لد.ه. لورانس، الدولة والثورة للينين، وحتى بعض أعمال شكسبير التي كانت قد منعت في بعض المدارس الأمريكية في القرن قبل الماضي مثل هاملت وماكبث والملك لير، وكتاب "أصل الأنواع" لداروين، وغيرها وغيرها.
ويقدم الموقع وصلات تتيح قراءة النسخة الإلكترونية من هذه النصوص، أو على الأقل بعض فصولها، كما يقدم عددا من المواقع التي تهتم بالكتب الممنوعة في عدد من الثقافات المختلفة.
من المواقع المهتمة بالموضوع أيضا الموسوعة الإلكترونية "ويكيبديا" التي يوجد تحت تصنيف كتب ممنوعة تعريفا دقيقا بفكرة المصادرة، ملحق به إشارات لعدد من المصادرات، وبينها قائمة الكتب الممنوعة التي أقرتها الكنيسة الأرثوذكسية منذ العصور الوسطى وحتى منتصف القرن الماضي. كمت يضم التقرير جدولا تفصيليا يضم أسماء الكتب التي تعرضت للمصادرة في الولايات المتحدة، وغيرها من دول العالم، وأسماء المؤلفين، وأسباب المنع، ومنها مثلا كتاب"أمريكا" لجون ستيوارت، عصر العقل لتوماس باين، الهروب من قلب الهجوم، لإريك ماريا ريمارك والذي منع من قبل السلطة النازية لأنه كان يعارض الحرب، اللوتس الزرقاء لهورجيه ومنع في الصين، ألف ليلة وليلة، الذي منع في أغلب الدول الإسلامية، الصياد في حقل الشوفان لسلينجر، البيان الشيوعي لكارل ماركس وفريدريك أنجلز، لمن تقرع الأجراس من تأليف هيمجواي، ومنع في أسبانيا إبان حكم الديكتاتور فرانكو، وغيرها وغيرها وصولا لأحدث ما تم منعه مثل "شفرة دافنشي" لدان براون. بالإضافة إلى مئات المواقع المهتمة بالموضوع، والتي توضح أن فكرة المنع والرقابة والمصادرة هي فكرة ضد واقع ومنطق حرية تدفق المعلومات والأفكار الذي تتيحه الشبكة، وضد منطق التطور الذي يعلي من حقوق حرية المعرفة خاصة في عصر يعرف بأنه عصر ثورة التقنيات الحديثة والاتصالات.

2 comments:

مصطفى محمد said...

لعشاق الكتابة فقط

أسما عواد said...

الأستاذ ابراهيم فرغلي
افتقدتك جدا
كيف حالك
لعلك تكون بخير