Friday, June 22, 2007

ثقافة سمعية




في الثقافة العربية تنتشر الثقافة الشفاهية مقارنة بالثقافة المكتوبة، وهو ما يمكن ملاحظة شواهده في العديد من الظواهر، مثل شيوع النميمة، والقابلية لتصديق الشائعات دون تحري الحقيقة، وفي سيادة ثقافة العنعنة والنقل والاتباع دون الإبداع، وغيرها وغيرها.
الثقافة الشفاهية هي المرحلة الأولى في التطور البشري، وعندما اكتشف الإنسان أن الذاكرة تخون، وتغير الحقائق، وتلونها أحيانا، إضافة إلى أن قدراتها الاستيعابية محدودة أدرك احتياجه للتدوين، والحضارات الكبرى كلها تأسست على التدوين والثقافة المكتوبة المدونة الأصيلة.
لكن المجتمعات العربية فيما يبدو، في غالبيتها على الأقل، ما زالت تحن للثقافة الشفاهية والسمعية، ربما لأنها أسهل ولا تحتاج لجهد البحث والتوثيق والقراءة. كما أنها ثقافة تناسب الموافقة الجماعية على أي شيء دون التوثق من صحتها لأنها تصدر من ثقات بالنسبة لمن يسمعها.
ولعل هذا ما يبرر انحدار نسبة القراءة للمستوى المخجل الذي تسجله الظاهرة عربيا. كما يبرر ردود الفعل العصبية الغوغائية التي تنتشر بين آن وآخر بدعوى الحفاظ على القيم أو التقاليد، أو حتى في شيوع الخرافة والقابلية لتصديقها، كما حدث مؤخرا في عدد من الوقائع التي لم يكن يناسبها إلا العصر الحجري حين تحلق جمع بجوار شجرة وصفها البعض بأنها معجزة!!
مثل هذه النموذج من الثقافة المعطوبة لديها من الزهو بالجهل ما يجعلها تتورط في إدانة ما لا يدان، أو الإشادة بما لا ينبغي الإشادة به من وجهة نظر إنسانية وعقلانية.
وفي هذا النموذج أيضا تسود حالة من المظهرية على حساب المضمون، والاستعراضية على حساب الجوهر. بما في ذلك بعض ظواهر التدين المغالى فيه بالشكل الذي يبدو فيه الفرد وكأنه يزايد على تدين الآخرين ومعتقداتهم.
الثقافة السمعية قد تكون سببا للعديد من الظواهر التي قد تحتاج لمساحات كبيرة لرصدها وتعدادها، لكنها، في نفس الوقت نتيجة العديد من الظروف التي تحتاج للمواجهة ومراجعة السلوكيات بعيدا عن ثنائيات الثقافة العربية ممثلة في الأبيض والأسود، النهار والليل، الحرام والحلال، بحيث تحل المرونة والقدرة على المراجعة وإيجاد البعد الثالث في كل الأمور لكن مثل هذا السلوك، أو التوجه، لا تنتجه إلا الثقافة الكتابية، بكل مواصفاتها العقلانية الموضوعية ، ثم إعلاء صوت العقل والضمير الإنساني على أي نبرة أخرى، وبغير ذلك ستظل مجتمعاتنا أسرى الواقع الذي ينتمي للماضي أكثر بكثير من انحيازه للمستقبل.
إبراهيم فرغلي





No comments: